وكان التهرب أمراً ميسوراً. وكم من قاض أو محلف، بدافع الشفقة أو التخويف أو بفضل الرشوة- أطلق سراح كثير من الأوغاد مقابل عقوبة يسيرة أو غرامة. وكانت قوانين اللجوء إلى الكنيسة لا يزال معمولاً بها في عهد هنري الثامن. وكانت المرونة في التطبيق، على أية حال، تتوازن مع استعمال التعذيب لانتزاع الاعترافات أو البيانات. وهناك كانت قوانين هنري الثامن، على الرغم من كونها أقسى القوانين في تاريخ إنجلترا- نقول كنت متقدمة عن زمانها (٢١)، لأنها حرمت التعذيب إلا إذا رؤى أن للجريمة علاقة بالأمن القومي (٣٢)، ويمكن أن يكون الإبطاء في محاكمة المتهم تعذيباً أيضاً. فقد شكا كورتيز الأسباني إلى شارل الخامس من أن المتهمين، حتى بأخطاء يسيرة، طال بقاؤهم في السجن عشر سنين أو نحوها، قبل أن يحاكموا، وأن المحاكمات قد تتلكأ لمدة عشرين عاماً (٢٣).
وترعرع المحامون وتضاعف عددهم مع اضمحلال جماعة الكهنة، وملئوا مناصب السلطة القضائية والبيروقراطية العالية، ومثلوا الطبقات الوسطى في الجمعيات الوطنية والبرلمانات الإقليمية، وحتى الطبقة الأرستقراطية ورجال الدين اعتمدوا على المحامين في القضايا المدنية، وتكونت منهم في فرنسا طبقة جديدة:"نبلاء الرداء- الروب"، أو على حد قول رابليه الهجاء الفرنسي "القطط ذوات الفراء". واختفى القانون الكنسي في الأقطار البروتستانتية. وحلت فلسفة التشريع محل اللاهوت "كأداة للمقاومة" في الجامعات. وعاد القانون الروماني إلى الحياة في الأقطار اللاتينية، وسيطر على ألمانيا في القرن السادس عشر، وعاش القانون المحلي معه جنباً إلى جنب في فرنسا. أما في إنجلترا فقد فضلوا عملية "القانون العرفي". ولكن كان لقوانين جستنيان بعض الأثر في تشكيل وتدعيم الحكم المطلق الذي أقامه هنري الثامن. على أنه في