فلما دخل كلية جيين كان أساتذته (فيما عدا جورج بوكاتان) يكرهون التحدث إليه باللاتينية، لأنه يتكلمها بطلاقة. وقد برز فيها إلى هذا الحد "دون كث " أو قواعد، أو نحو، أو ضرب بالسياط، أو أنين ونواح ".
ولعل الأب كان قد قرأ ما قاله رابليه في التعليم. فحاول أن ينشئ ولده على لمبادئ التحررية، مؤثراً الحب على القسر. واستطاب مونتيني هذا النظام وأوصى به في خطاب طويل عن التعليم (٢٢)، وصرح أنه كتب إلى الليدي ديان دفورا، ولكنه أنكره في مقال متأخر وأوصى بالعصا معيناً مقنعاً للمنطق (٢٣). كذلك لم يحذ حذو أبيه في تفضيله اللاتينية أو الدراسات الكلاسيكية. ومع أن ذاكرته كانت فياضة بالشواهد والمثل الكلاسيكية، إلا أنه أستنكر الاقتصار على التعليم الكلاسيكي، واحتقر التعليم من الكتب والمكبين على الكتب، وآثر على هذا كله الاهتمام بتدريب الجسد لنيل الحكمة والفضيلة. "لسنا في حاجة إلا لقليل من التعليم لكي تكون لنا عقول سليمة (٢٤)". وقد نتعلم من مباراة في التنس أكثر مما نتعلم من خطاب لاذع ضد كاتلين. وينبغي أن يربى البدن على أن يكون جلداً شجاعاً، قادراً على تحمل الحر والبرد دون تذمر، وعلى إساغة مخاطر الحياة التي لا مفر منها. كان مونتيني يستشهد بالكتاب الأثينيين، ولكنه آثر طرق الأسبرطين في العيش، مثله الأعلى فضيلة رجولية، تقريباً بالمعنى الروماني الذي جعل هذه العبارة نافلة- وأضاف إليه المثل الأعلى الإغريقي "لا إفراط "- الاعتدال في كل شيء، حتى في الاعتدال، فعلى المرء أن يشرب الخمر في اعتدال، على أن يكون قادراً إن دعته المناسبة على الشرب الكثير دون أن يغيب عن وعيه.
وقد يكون السفر جزءاً هاماً من التعليم إذا تركنا أهوائنا وراءنا. "قيل لسقراط إن فلاناً لم يفده السفر مثقال ذرة، فأجاب: أجل، لأنه حمل نفسه معه في سفره " (٢٥). فإذا استطعنا أن نفتح عقولنا وعيوننا وجدنا الدنيا خير كتاب نقرأه، لأن "الكثير جداً من الأمزجة الغريبة