الجزيرة كثيراً من هذهِ السمعة الحسنة، وكان لها عمارة بحرية قوية يسيرها ملاحون من مواطنيها، استطاعت أن تطهر إيجة من القراصنة، وتؤمن السبل البحرية لجميع السفن التجارية لسائر الأمم على قدم المساواة، وأن تضع قوانين صالحة للملاحة تدل على عقلية ناضجة، رضيت بها سائر السفن التجارية، وظلت هذه القوانين هي المسيطرة على تجارة البحر الأبيض قروناً عدة، ثم أضحت جزءاً من القوانين التجارية لرومة والقسطنطينية والبندقية.
وبعد أن حررت رودس نفسها من سيطرة مقدونية بفضل مقاومتها الباسلة لدمتريوس بليوكريتيس (٣٠٥)، وجهت سفينتها السياسية توجيهاً ناجحاً وسط بحر السياسة المضطرب في ذلك العصر، فاحتفظت بحيادها احتفاظاً حكيماً ولم تتورط في الحرب إلا لتحول بين ازدياد سلطان دولة معتدية يخشى بأسها، أو لتحفظ للبحار حريتها. وقد ضمت كثيراً من مدن بحر إيجة وألفت منها "عصبة جزرية"، وكانت في ممارستها حقوق السيادة عليها عادلة إلى حد لم تشُك أية واحدة منها فيما لها من حق الزعامة عليها. وكانت لها حكومة ذات نظام أرستقراطي على أساس ديمقراطي، شبيهة بحكومة رومة في عصر الجمهورية؛ وكانت تحكم مدائن لندس، وكميروس Camirus، وياليسوس Ialysus، ورودس مجتمعة بمهارة وعدل نسبي، ومنحت المقيمين فيها من الأجانب من الامتيازات ما لم تمنحه أثينة من هاجر إليها من الغرباء؛ وبسطت حمايتها على عدد كبير من الأرقاء، ولما أن تعرضوا للخطر لم تتردد في تسليحهم للدفاع عن أنفسهم، وفرضت على أغنياء المدينة أن يعنوا بالفقراء من أهلها (٤١). وكانت الدولة تواجه نفقاتها بفرض ضريبة مقدارها اثنان في المائة على الصادرات والواردات؛ وكانت تقرض المال بسخاء، ومن غير فائدة في بعض الأحيان، إلى المدن إذا حلت بها الأزمات.