على الشعر في فرنسا بعد راسين، وفي إنجلترا بعد درايدن. واتخذ الشعر في أفضل نماذجه شكل النحت بالإزميل، ولكنه فقد دفء التصوير ولونه. ومع ذلك كان من الخير أن يدخل هدف العقل إلى ساحة الأدب المحض، فقد كتب الكثير جداً من اللغو عن الحب والرعاة، واحتاجت أوربا إلى احتقار بوالو الغاضب حتى تطهر ذلك الجو الأدبي، جو السخف والتكلف والعاطفة السطحية. وربما كان الفضل لبوالو في ارتفاع موليير من "الفارص" إلى الفلسفة، وفي محاولة راسين البلوغ بفنه إلى مرتبة الكمال.
وكان مما يتلاءم وطبيعة بوالو تماماً مسلكه بعد أن اشترى بيتاً وحديقة في أتوى بفضل نفحة من نفحات الملك (١٦٨٧)، فهو لم يذكر شيئاً في كتاباته عن الطبيعة المحيطة به اللهم إلى أنه من تلك الحقول اتخذ الآن اسم "دسبريو". هناك عاش أكثر ما بقي له من أجل في هدوء بسيط، لا يزور البلاط إطلاقاً، ويرحب ترحيباً حاراً بأصدقائه. وقد لاحظ الناس أن "له أصدقاء كثيرين رغم أنه تكلم بسوء عن كل إنسان (٥٤) ". وكان فيه من الشجاعة ما حمله على الإعراب عن عطفة على البور رويال، وعلى أن يخبر يسوعياً بأن رسائل بسكال الإقليمية إحدى ورائع النثر الفرنسي. وقد عمر بعد موت جميع أفراد الجماعة التي كان منظرها المرموق: فموليير لقي ربه منذ أمد بعيد، ثم لحق به لافونتيين في ١٦٩٣، ثم راسين في ١٦٩٩، وتحدث الهجاء العجوز العليل بتأثر عن "الأعزاء الذين فقدناهم، والذين اختفوا كأنهم حلم إنسان استيقظ من نومه (٥٥) " وحين دنت منيته غادر أوتوى وذهب ليموت (١٧١١) في مسكن كاهن اعترافه بصومعة النوتردام، مؤملاً أن لا يجرؤ الشيطان على أن يمسه بسوء هناك.