للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معدودة، والذين يرجون، كما يرجو أفلاطون، أن يعدوا الناس لتولي الحكم بتدريبهم في علوم الطبيعة وما وراء الطبيعة. أما هو فكان يقر بأنه لا يستطيع أن يحصل من الطالب على نتائج طيبة إلا إذا كان هذا الطالب ذا موهبة طبيعية. ولم يكن في وسعه أن يدرس العلوم الطبيعية أو ما وراء الطبيعة لأنها، كما يقول، بحوث لا يرجى منها خير، في أمور غامضة لا يمكن الكشف عن خفاياها. ولكنه رغم هذا كان يطلق اسم الفلسفة على ما يعلمه في مدرسته. وكان منهاج الدراسة يدور حول فني الكتابة والكلام، ولكنه كان يدرّسهما من حيث صلتهما بالأدب والسياسة (٥). وكان يدرس للطلاب منهجاً ثقافياً، على حد تعبير هذه الأيام، يخالف المنهج الرياضي الذي كان يدرس في مجمع أفلاطون العلمي. وكان الهدف الذي يريد الوصول إليه هو فن الخطابة، وقد كان هذا الفن في ذلك الوقت وسيلة التقدم في الحياة العامة، لأن الجدل هو الذي كان وقتئذ يحكم الدولة الأثينية. ومن أجل ذلك كان إسقراط يعلم تلاميذه طريقة استعمال الألفاظ، كيف يضعونها في أوضح ترتيب، وفي تتابع منسجم ولكنه غير موزون، وفي عبارات مصقولة ولكنها غير مزخرفة، وكيف ينتقل بالأصوات والأفكار انتقالاً هادئاً سلساً (١)، وكيف تكون الجمل متزنة والوقفات كثيرة. وكان من رأيه أن هذا النثر يسر الأذن المهذبة بقدر ما يسرها الشعر. تخرج في هذه المدرسة كثيرون من الزعماء في عصر ديمستين: تموثيوس القائد، وإفورس وثيوبومس المؤرخان، وإسيوس، وليقورغ، وهبيريديز، وإسكنيز الخطباء، وإسيبوس خليفة أفلاطون، وأرسطاطاليس نفسه في رأي بعضهم (٦).


(١) مثال ذلك أن إسقراط - وحذا حذوه في ذلك معظم من جاء بعده من كتاب اليونان - كان يرى أن من الخطأ أن تختتم كلمة بأحد الحروف المتحركة، ثم تبدأ الكلمة التي تليها بحرف متحرك أيضاً.