للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يكن إسقراط يقنع بتكوين عظماء الرجال، بل كان يرغب في أن تكون له يد في تصريف شئون عصره. وإذا كان عاجزاً عن أن يكون خطيباً أو سياسياً فقد أخذ يؤلف النشرات. فكان يوجه خطباً طويلة لجمهور الأثينيين، وللزعماء أمثال فليب، أو لليونان المحتشدين في ساحات الألعاب اليونانية الجامعة؛ ولم يكن يلقي هذه الخطب، بل كان ينشرها، فابتدع بذلك على غير علم منه المقالة بوصفها فناً من فنون الأدب. وقد بقيت لنا تسع وعشرون من خطبه تعد من أكثر ما بقي من الأدب القديم إمتاعاً. وكانت خطبته الأولى العظيمة المعروفة باسم الجمعية العامة أو البانيجركس Panegyricus (١) مفتاح تفكيره كله والهدف الذي كان يبتغيه معلمه القديم غورغياس، وهو دعوة بلاد اليونان إلى نسيان سيادتها الصغيرة والاندماج في دولة واحدة. وكان إسقراط أثينياً فخوراً بموطنه - "لقد فاقت مدينتنا سائر بلاد العالم في أفكارها وخطبها حتى أصبح تلاميذها معلمي الدنيا بأجمعها"، لكنه كان يفخر بيونانيته أكثر من فخره بأثينيته؛ ولم يكن معنى الهلينستية عنده (٢)، كما لم يكن معناها عند رجال العصر الهلينستي، هو الانتساب إلى جنس بعينه، بل كان معناه الاشتراك في ثقافة بعينها؛ وكان يشعر بأن هذه الثقافة هي أرقى ثقافة ابتدعها الإنسان في أي بلد من بلاد العالم (٧)؛ وكان "البرابرة" يحيطون بهذه الثقافة من جميع الجهات - في إيطاليا، وصقلية، وإفريقية، وآسية، والبلاد المعروفة لنا الآن باسم بلاد البلقان. وكان يحزنه ويقض مضجعه أن يرى هؤلاء البرابرة يزيدون كل يوم قوة، وأن يرى بلاد الفرس تقوى سيطرتها على أيونية، على حين أن الدول اليونانية كانت تقضي على نفسها بحروبها الداخلية.


(١) سميت كذلك لأنها كانت موجه إلى البانيجريس أو الجمعية العامة (بان - أجورا Pan-Agora) اليونانية في الدورة الأولمبية المائة.
(٢) الهلينستية هي الاصطباغ بالصبغة اليونانية في غير بلاد اليونان الأصلية. (المترجم)