على تحقيق أحلام الفلسفة. "ما دامت قد ارتقت العرش، ولبست أعظم تاج في العالم، فقد جعلت الفلسفة المشرع لإمبراطوريتي"(٥٦) ونظر الفلاسفة في كل أرجاء أوربا إلى المغامرة الكبرى وكلهم تطلعات صادقة.
وكانت أولى الصعوبات في طريقه أن يجد الأعوان الذين يشاركونه حلمه. فأكثر الذين آلوا إليه بالوراثة كانوا من الطبقات العليا التي اختزلت إصلاحاته امتيازاتهم. لقد أيده كاونتز وفان شفيتن، وشجعه اثنان من المستشارين الخصوصيين-هما كوالتنبورج وجيلر-واثنان من أساتذة جامعة فيينا هما-مارتيني وزوننفيلس-، ولكن الأعوان الأدنى مرتبة من هؤلاء لم يكونوا سوى بيروقراطيين تجمدوا في المألوف من العادات، واستراحوا إلى الموروث من التقاليد، وقاوموا التغيير تلقائياً. وراح يوزف في عجلة لا تسمح بالمجاملة يعامل هؤلاء الأعوان معاملة الخدم، ويربكهم بحشد من الأوامر، ويطلب إليهم إبلاغه عن أي خطأ جسيم يرتكبه مساعدوهم (٥٧)، ويغرقهم بالاستبيانات ويطالبهم بجهد لا يفتر كجهده. ووعدهم هم وأراملهم بمعاشات يستحقونها بعد خدمة عشر سنين، فشكروه، وأنكروا أساليبه، وسدروا في كبريائهم. وأفضت ثقة يوزف بعدالة أهدافه إلى ضيقه بكل نقد أو نقاش. وكتب إلى شوازيل (الذي كان الآن ينعم بالتقاعد)"عش أسعد مما أستطيع إنني لم أكد أعرف السعادة، وسوف أشيخ قبل أن أكمل الطريق الذي رسمته لنفسي"(٥٨). ولكن أجله قصر عن أن يدرك سن الشيخوخة.
وقد نبذ كل تفكير في الديمقراطية، فقد أحس أن أفراد شعبه غير مستعدين لإصدار الحكم الصائب في السياسة، وأنهم باستثناءات قليلة سيعتنقون أي آراء يتسلمونها من سادتهم أو كهنتهم. وحتى الملكية الدستورية بدت له غير مبشرة بخير؛ فبرلمان كالبرلمان الإنجليزي سيكون مجتمعاً مغلقاً من كبار ملاك الأرض والأساقفة الذين يتحدون أي تغيير جذري. وكان من المسلمات في رأي يوزف أن الملكية المطلقة دون غيرها هي القادرة على تحطيم جدار العادات وكسر أغلال التعصب وحماية الضعفاء السذج من الأقوياء الماكرين.