المادة؛ والروحانيون بأنه قصر لا مبرر له للمعرفة كلها على العالم المادي مستتر تحت اسم ميدان التجربة … " (٣٤).
وهاجمت مدارس الفكر هذه كلها تقريباً الكتاب فأذاعت بذلك شهرته ولو بتجريحه. وأعلت من قدرة كل العوامل حتى عسر فهمه الذي جعله تحدياً يتعين على كل عقل عصري أن يقبله. وسرعان ما جرت مصطلحات كانت وألفاظه الطويلة على كل لسان مثقف.
ولم يستطع كانت أن يفهم لم عجز نقاده عن فهمه. ألم يعرف كل مصطلح أساسي مراراً وتكراراً؟ (بلى، وما أشد التباين في تعاريفه!) وفي ١٧٨٣ رد على الهجمات بإعادة صياغة "النقد" فيما خاله صورة أبسط، وسمى رده في تحد "مقدمة لكل ميتافيزيقا مستقبلة قادرة على الظهور كعلم". وزعم في هذا الرد أنه قبل كتابة "نقد العالم الخالص" لم تكن هناك ميتافيزيقا حقيقية على الإطلاق، لأنه ما من مذهب قدم لنفسه بتمحيص ناقد لأداته-وهي العقل. فإذا كان بعض القراء عاجزين عن فهم كتاب "النقد" فقد يكون السبب أنهم ليسوا على مستواه تماماً؛ "وفي هذه الحالة على القارئ أن يستخدم مواهبه العقلية في شيء آخر"، وعلى أي حال "ما من حاجة تدعو كل إنسان لدراسة الميتافيزيقا" (٣٥). لقد كان في الأستاذ العجوز دعابة وكبرياء، وفيه حدة الطبع أيضاً. على أن "المقدمة" باتت كلما أو غلت عسرة عسر كتاب النقد الأصلي.
واتصل الجدل في ظل حكومة فردريك الأكبر المتسامحة. وكان كانت قد كتب في كتابه "نقد العقل الخالص" فقرات بليغة عن شرف العقل، وعن حقه في حرية التعبير (٣٦). وفي ١٧٨٤، حين كان لا يزال مطمئناً إلى حماية فردريك وتسيدلتس، نشر مقالاً عنوانه (ما التنوير؟). وقد عرف التنوير بأنه حرية الفكر واستقلاله، واتخذ شعراً ونصيحة القول المأثور "تجرأ على أن تعرف". وأبدى أسفه على تخلف التحرر الفكري نتيجة لمحافظة الأغلبية على القديم. "فإذا سألنا