للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قانونية، أو ليقف في وجه المعارضة في البرلمان، أو ليمحص الرأي والنصح ملكاً لا يجدي معه الرأي والمسورة. ويجدر بنا أن نجمع آراءه من تعليقاته العابرة ومن نبذه الأدبية، بما في ذلك "مقالاته" (١٥٩٧، ١٦١٢، ١٦٤٥). وفي إهدائه هذه المقالات إلى بكنجهام، وفي غرور صناعة الكتابة، كتب بيكون، "إني أرى .... أن الأثر قد يبقى ما بقيت الكتب". وكان أسلوبه في رسائله متكلفاً ملتوياً، حتى لقد اعترفت زوجته: "إني لا أفهم كتابته الملفوفة المليئة بالألغاز (٥٠) ". وبذل في "المقالات" جهداً أكبر، وراض قلمه على الوضوح ووصل إلى قوة هائلة في التعبير، لا تباريه فيها إلا صحائف معدودة في النثر الإنجليزي، من حيث المادة ذات المغزى الهام الزاخرة بالتشبيهات المشرقة الواضحة في صياغة دقيقة، وكأنما أولع تاسيتس (مؤرخ روماني-القرن الأول الميلادي) بالفلسفة، وتنازل ليكون واضحاً.

إن حكمة بيكون دنيوية إن ينصرف عن الميتافيزيقا (ما وراء الطبيعة) إلى الخفي أو الطائش من الأمور، وقليلاً ما قفز طموحه الوثاب من الجزء إلى الكل. ومهما يكن من أمر فإنه أحياناً أنه يخوض في مادية حتمية: "لا يوجد في الطبيعة حقاً، شيء عدا الأجسام الفردية التي تؤدي أعمالاً فردية صرفة طبقاً لقانون محدد (٥١) ". وإن البحث في الطبيعة ليأتي بأحسن النتائج حين يبدأ بالفيزياء وينتهي بالرياضيات (٥٢) ولكن "الطبيعة" هنا قد تعني العالم الخارجي. لقد آثر بيكون الفلاسفة المتشككين قبل سقراط، على أفلاطون وأرسطو. وامتدح ديموقريطس الفيلسوف المادي (٥٣). ولكنه حينئذ يرتضي تمييزاً دقيقاً بين الجسم والنفس (٥٤)، ويستبق بيرجسون للفكر على أنه "مادي أساسي". "إن إدراك الإنسان يتأثر برؤية مل يجري في الفنون الميكانيكية .... ومن ثم يتخيل أن شيئاً شبيهاً بهذا يجري في الطبيعة للأشياء (٥٥) ". ويرفض مقدماً البيولوجيا الميكانيكية عند ديكارت.

ومع ما يعتمل في نفسه من عواطف متصارعة نحو الدين، نراه "يتبل" في حرص، فلسفته "بالدين، وكأنما يتبل بالملح (٥٦) " "الأفضل عندي أن أصدق الخرافات التي