في حياة القديسين وفي التلمود وفي الكتب المقدسة، على أن يكون هذا العالم بلا عقل (٥٧)". ويضع الإلحاد في مكانه في قطعة تكررت مرتين (٥٨). وإن تحليله لأسباب الإلحاد لتوضح فكرة هذا الكتاب: -
إن أسباب الإلحاد هي الانقسامات في العقيدة، إذا كانت كثيرة، لأن أي انقسام أساسي يلهب حماسة الفريقين كليهما وغيرتهم، ولكن الانقسامات الكثيرة تقود إلى الإلحاد، وثمة سبب آخر، وهو أعمال القسس المخزية. وأخيراً، عصور المعرفة، وخاصة إذا سادهم السلم والرخاء، فان المتاعب والعداوات تزيد في اتجاه عقول الناس إلى الدين (٥٩).
إن بيكون يؤكد قاعدة أن "الدين يحد من كل ألوان المعرفة (٦٠)". وطبقاً لما رواه قسيسه راولي "كان يذهب كثيراً إلى الصلاة في الكنيسة، إذا سمحت ظروفه الصحية" … ولقي ربه على العقيدة الصحيحة للكنيسة الإنجليزية"(٦١). وعلى الرغم من ذلك، فإنه أفاد، مثل خلفه العظيم وليم أوكهام، من التمييز بين الحقيقة اللاهوتية والحقيقة الفلسفية، فقد يتمسك الدين بمعتقدات لا يجد العلم والفلسفة عليها دليلاً، ولكن الفلسفة يجب أن تعتمد على العقل فقط، كما أن العلم ينبغي أن يلتمس تفسيرات دنيوية صرفة، على أساس سبب ونتيجة ماديتين (٦٢).
وعلى الرغم من تحمس بيكون للمعرفة، فإنه يخضعها أو يضعها في المحل الثاني من الأخلاق. فليس ثمة نفع للإنسانية إذا لم يؤد التوسع في المعرفة إلى الخير. "إن طيبة النفس هي أهم مزايا العقل ومنازله الرفيعة (٦٣) " ومهما يكن من أمر فان حماسته المألوفة حين يتحدث عن الفضائل المسيحية. ومن الواجب ممارسة الفضيلة باعتدال، لأن الأشرار قد يخدعون غير الحكماء (٦٤). وقليل من الخدع أو الرياء ضروري للنجاح، إن لم يكن المدنية. والحب ضرب من الجنون، والزواج نوع من الشرك أو الفخ: "إن الذي له زوجة وأولاد، يضع عقبات في سبيل النجاح، لأنهم عوائق في سبيل المغامرات والمشروعات الكبيرة …