إن أفضل العمال وأعظمها أثراً على الناس نبعت من أناس ليس لهم زوجة ولا أولاد. "وأقر بيكون-مثل اليزابث وهلدبراند-عزوبة رجال الدين". إن حياة العزوبة تصلح لرجال الكنيسة، لأن الصدقات لا تكاد تروي الأرض، إذا كان لزاماً عليها أولاً أن تملأ بركة (٦٥)" (لاحظ نزعته إلى الاستعارة والمجاز والإيجار الأنجلوسكسوني). إن الصداقة خير من الحب. وإن المتزوجين ليكونون صدقات غير مستقرة. إن بيكون يتكلم عن الحب والزواج بأسلوب رجل ضحى بالعواطف الرقيقة في سبيل الطموح، ورجل أمكنه أن يحكم مملكة أفضل من أن يحكم بيته.
أما فلسفته السياسية فقد واجهت حالات وظروفاً أكثر مما واجهت نظريات. وأوتي من الشجاعة ما امتدح معها ماكيافللي. وارتضى صراحة المبدأ القائل بأن الدول ليست مقيدة بالقانون الأخلاقي الذي تلقنه لرعاياها. وأحس-مثل نيتشه، بأن الحرب الجيدة ترحب بأي سبب، "ويجب ألا نستمع إلى رأي أساتذة وفلاسفة العصور الوسطى الذي يقول بأنه ليس من العدل أن تشن الحرب إلا إذا سبقها وقوع الضرر أو الاستفزاز … إن الخوف الحقيقي من خطر محدق، ولو لم تحدث أية ضربات، سبب مشروع للحرب. " وفي أية حادثة "فان الحرب العادلة الشريفة هي الطريقة المثلى" للمحافظة على الأوضاع السليمة للأمة (٦٦). وإنه لمن أقصى درجات الأهمية، من أجل الإمبراطورية والعظمة، أن تؤمن الأمة بأن "سلاحها هو مناط شرفها، وهو هدفها وشغلها الشاغل". والبحرية القوية ضمان لاحترام الجيران. "والسيادة على البحار هي الرمز الحقيقي للملكية (٦٧) ". وفي شباب الدولة تزدهر الأسلحة، وفي وسط عمر الدولة، تزدهر المعرفة، ثم تزدهر الأسلحة والمعرفة كلتاهما معاً لفترة من الزمن، وفي عصر اضمحلال الدولة تنتعش الأعمال التجارية والتجارة (٦٨). وسكان المدن محاربون ضعاف، والفلاحون أو القرويون أفضل منهم في الحرب، ولكن صغار ملاك الأرض الأحرار أفضل الجميع. ومن ثم فان بيكون مثل مور، استنكر المساحات الزراعية الكبيرة