للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في ١٧١٥ بفضل زيادة إنتاج الطعام وتحسين وسائل حفظ الصحة وانعدام الغزو الأجنبي والحرب الهلية، وحظيت الأمة في مجمعها بازدياد الرخاء خلال القرن الثامن عشر، ولكن أكثر الثراء الطارئ انحصر في الطبقة الوسطى (٢).

وكان الفرنسيين ريفيين فيما عدا مليونين من الأنفس، والحياة الزراعية يديرها النظار الملكيون، والمديرون الأقليميون، وكهنة الأبرشيات، والسادة-أي أمراء الإقطاع-الذين قدر عددهم في ١٧٨٩ بنحو ٢٦. ٠٠٠. هؤلاء وأبناؤهم خدموا وطنهم في الحرب بأسلوبهم الأنيق العتيق (وقد أصبحت السيوف الآن حلية أكثر منها سلاحاً). ولم تبق إلا قلة من النبلاء في البلاط، أما السواد الأعظم فعاشوا في ضياعهم. وزعموا أنهم يكسبون دخلولهم بتوفير الإدارة الزراعية، والرقابة البوليسية، والمحاكم، والمدارس، والمستشفيات، والإحسانات. على أن معظم هذه المهام كانت قد تتلقاها عمال للحكومة المركزية، وكان الملاك من الفلاحين يطورون نظمهم الهادفة إلى الإدارة المحلية، وهكذا باتت طبقة النبلاء عضواً أثيراً، يأخذ الدم الكثير من الكائن الاجتماعي، ولا يعطيه لقاء ذلك إلا القليل بخلاف الخدمة العسكرية. وحتى هذه الخدمة أثارت شكوى عامة، لأن النبلاء أقنعوا لويس السادس عشر (١٧٨١) بأن يحرم من جميع المناصب الكبرى في الجيش والبحرية والحكومة كل من لا يظاهره أربعة أجيال من الأرستقراطية.

ثم رمى النبلاء فوق هذا بأنهم تركوا مساحات شاسعة من ضياعهم بوراً في الوقت الذي يجوع فيه للخبز الآلاف من سكان المدن. ويصدق على الكثير من بقاع فرنسا هذا الوصف الذي كتبه آرثر ينج عن قطاعي اللوار ونهر شير: "أن الحقول مسرح للإدارة المهلهلة، كما أن البيوت شاهد على الفقر المدقع. ومع ذلك فإن هذه البلاد كلها قابلة جداً للتحسين لو عرفوا ما ينبغي أن يصنعوه بها" (٣) (١) وكان عدد غير قليل من النبلاء فقراء،


(١) آرثر يونج، أحد وجوه المزارعين الإنجليز، برحلات في القارة في ١٧٨٧ و١٧٨٨ و١٧٨٩ وروى مشاهدته في "رحلات في فرنسا" (١٧٩٢) وفي آرائه بعض التحيزات الإنجليزية ("خذ جماع الجنس البشري، تجد في إنجلترا في نصف ساعة قدراً من حسن الإدراك أكثر مما تجده في فرنسا في نصف سنة (٤).) ولكن يبدو أنه قدم لنا وصفاًً منصفاً موثوقاً به لما رأى. وسنراه يذكر الثراء كما يذكر الفقر. وأهم مآخذه على فرنسا تتركز في تخلفها التكنولوجي، وحكومتها المسرفة في اللركزية، والقهر، والاوتوقراطية.