للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت الكنيسة تخفف من كدح الفلاح بأيام الآحاد والأعياد التي كان "العمل الوضيع" فيها يعد إثماً من الآثام. وفي ذلك يقول الفلاحون: "إن أثوارنا تعرف متى يحل يوم الأحد، وهي بذلك تأبى أن تعمل في ذلك اليوم" (٣٤). وكان الفلاح إذا فرغ من الصلاة في ذلك اليوم يغني ويرقص، وينسى في ضحكه الريفي العالي أعباء الوعظ والمزرعة الثقال. وكانت الجعة رخيصة الثمن، وكان الحديث حراً طليقاً بذيئاً. وكانت أقاصيص خليعة عن النساء تختلط بالخرافات الرهيبة التي تروي عن القديسين. وكانت ألعاب عنيفة ككرة القدم، والهوكي، والمصارعة، وقذف الأثقال يتبارى فيها رجل مع رجل. وكان قتال الديكة، ومصارعة الثيران كثيري الحدوث، وكان تحمس النظارة يصل غلى غايته حين يحاول رجلان معصوبان بالعينين، مسلحان بالعصى الغليظة أن يقتلا إوزة أو خنزيراً داخل دائرة مغلقة، وكان الفلاحون في بعض الليالي يتزاورون، ويلعبون ألعاباً داخل البيوت، ويحتسون الخمر، وكانوا في العادة يقضون أوقاتهم داخل البيوت، لأن الحارات لم تكن مضاءة، وكانوا يأوون إلى الفراش مبكرين بعد أن تظلم الدنيا بقليل لأن الشموع كانت غالية الثمن. وكانت الأسرة إذا حل الشتاء بليله الطويل تأوي الماشية في الكوخ وترحب بها وتفيد ما تحدثه فيه من الدفء.

وهكذا كان الفلاحون في أوربا يطعمون أنفسهم، وسادتهم، وجنودهم. وقساوستهم، وملوكهم، بكدحهم المتواصل وبسالتهم الصامتة، لا بما تبعثه في نفوسهم الحوافز الصالحة من مهارة وقدرة على الابتكار. وكانوا يجففون المناقع، ويقيمون الجسور والحواجز، ويقطعون أشجار الغابات، ويطهرون القنوات، ويشقون الطرق، ويبنون البيوت، ويوسعون نطاق دائر الحضارة، ويكسبون المعركة القائمة بين الغابة والإنسان. وإن أوربا الحديثة لمن خلقهم وصنع أيديهم؛ ونحن إذا ما شاهدنا الآن تلك السياج الأنيقة، والحقول المنظمة، لا نستطيع أن