للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

"يجب أن تعلموا أن العالم قد شاخ، ولم يبقَ ما كان له قبل من قوة، وأنه يشهد بنفسه على اضمحلاله. وإن مقدار ما يسقط من المطر وما تشعه الشمس من دفء آخذان في النقصان، وكادت المعادن ينضب معينها، وقل ما ينتجه الزراع من غلة" (٢).

وما من شك في أن هجمات البرابرة، واستغلال العروق المعدنية الغنية الذي دام عدة قرون، قد أنقصا ما تخرجه روما من المعادن النفيسة؛ وأن ما حدث في إيطاليا الوسطى والجنوبية من تقطيع الغابات، وفعل التعرية والنحات، وإهمال قنوات الري الناشئ من نقص عدد الفلاحين، واضطراب الحكومات - ما من شك في أن هذا كله قد ترك إيطاليا أفقر مما كانت في سابق عهدها. بيد أن السبب الحقيقي لم يكن ناشئاً من أن التربة قد استنفدت قدرتها على الإنتاج، أو أن جو البلاد قد تغير، بل كان ما حاق بأهلها من إهمال وعقم سببهما ما حل بهم من ضيق وتثبيط للعزيمة.

وكانت الأسباب الإحيائية (١) أهم من الأسباب السابقة وأعظم منها أثراً. فقد بدا نقص خطير في عدد السكان في الغرب بعد هدريان. ويشك بعض المؤرخين في هذا النقص، ولكن إسكان البرابرة بالجملة في ولايات الدولة على أيدي أورليوس، وفلنتنيا، وأورليان، وبروتس، وقسطنطين، لا يكاد يترك مجالاً للشك في حقيقة هذا النقص (٣). ولما أراد أورليوس أن يسد ما حدث من النقص في جيشه جند العبيد، والمجالدين، ورجال الشرطة، والمجرمين؛ وهذا لا يحدث إلا إذا كان الخطر الذي يتهدد البلاد وقتئذ أشد من ذي قبل، أو أن السكان الأحرار كانوا أقل عدداً منهم في الأيام السابقة، والذي لا شك فيه أن غير الأحرار من السكان قد نقصوا عما كانوا عليه من قبل. ولهذا السبب أقفرت


(١) نسبة إلى علم الأحياء biological. (المترجم)