للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ضياع كثيرة وتركت أرضها بوراً، وخاصة في إيطاليا، حتى لقد عرضها برتناكس من غير ثمن على من يرضى أن يفلحها. ويتحدث قانون سنه سبتميوس سفيرس عن نقص الرجال hominum penuria (٤) . وقد ظل هذا النقص يجري في مجراه قروناً طوالاً في بلاد اليونان، وشاهد ذلك أن الأسقف ديونيشيوس يقول إن سكان الإسكندرية نقصوا في أيامه (٢٥٠) إلى نصف ما كانوا عليه في الأيام السابقة، وكانت هذه المدينة في تاريخها السابق تفخر بكثرة مَن فيها من السكان. وكان يؤلمه أن "يرى الجنس البشري آخذاً في النقصان والتبدد المستمر" (٥). ولم يكن يزداد في هذا الوقت إلا البرابرة والشرقيين في خارج الإمبراطوريّة وفي داخلها.

ترى ما سبب هذا النقص في عدد السكان؟ إن أكبر أسبابه هو تحديد النسل، وهو عملية كانت تلجأ إليها الطبقات المتعلمة أولاً، ثم سرت عدواها إلى الطبقات الدنيا المشهورة بكثرة أبنائها (٦)؛ ولم يحل عام ١٠٠ بعد الميلاد حتى وصلت هذه العدوى إلى طبقات الزرّاع، كما يدل على ذلك امتداد المعونة الإمبراطوريّة إلى هذه الطبقة لتشجيعها على الإكثار من الأبناء، وقبل أن يبدأ القرن الثالث عمّت هذه العادة الولايات الغربية، وأدت إلى نقص السكان في غالة (٧). وانتشرت عادة وأد الأطفال بازدياد الفقر على الرغم من أن القوانين كانت تعد هذا العمل جريمة (٨). وربما كان الإفراط في الصلاة الجنسية قد أنقص الخصوبة البشرية؛ وكان الامتناع عن الزواج أو تأخير وقته هذا الأثر بعينه. يضاف إلى هذا أن عادة الاخصاء أخذت تزداد بسبب سريان العادات الشرقية في بلاد الغرب، وليس أدل على انتشار هذه العامة من بلنتيانس Plantianus رئيس الحرس البريتوري أمر باخصاء مائة غلام قدمهم هدية إلى ابنته بمناسبة زواجها (٩).

ويلي تحديد النسل في أسباب نقص السكان ما كان ينشأ عن الأوبئة