والثورات والحروب من بشرية. وقد قضت الأوبئة التي اجتاحت البلاد في أيام أورليوس، وجلينس، وقسطنطين على عدد كبير من السكان؛ ولم تكد تنجو أسرة واحدة في الإمبراطوريّة كلها من الوباء الذي تفشى فيها بين عامي ٢٦٠ و ٢٦٥؛ ويقال إن خمسة آلاف كانوا يموتون في روما نفسها كل يوم، وإن هذه الحال دامت أسابيع كثيرة (١٠). وقد شرع بعوض كمبانيا يتغلب على الآدميين الذين غزوا المستنقعات البنتية، وأخذت الملاريا تضعضع قوى الأغنياء والفقراء على السواء في لاتيوم وتسكانيا. ولقد كان لمجازر الحروب، والثورات، وربما كان لعادات منع الحمل، والإجهاض، ووأد الأطفال، أثر في نقص القدرة على النسل فضلاً عن أثرها في تقليل عدد السكان؛ ذلك بأن أقدر الرجال كانوا أكثرهم تأخيراً لوقت الزواج، وأقلهم نسلاً، وأقصرهم آجالاً. وكانت معونة الدولة سبباً في ضعف الفقراء، كما كان الترف سبباً في ضعف الأغنياء، والسلم الطويلة الأجل سبباً في حرمان الطبقات كلها في شبه الجزيرة من الروح العسكرية والفنون الحربية. وكان الألمان الذين أخذوا من ذلك الوقت يسكنون شمالي إيطاليا ويكثر عددهم في الجيش، أصح أجساماً وأمتن أخلاقاً ممن بقي على قيد الحياة من سكان البلاد الأصليين. ولو أن الزمان سمح لهذا الجنس الجديد أن يمتزج بالسكان الأصليين على مهل لكان من الجائز أن يتثقف بثقافة الرومان ويبعث النشاط والقوة في الدم الإيطالي؛ ولكن الزمان لم يكن كريماً إلى هذا الحد. يضاف إلى هذا أن سكان إيطاليا كانوا قد اختلطوا من زمن بعيد بأجناس شرقية، وأضعف من الجنس الروماني جسماً وإن جاز أن تكون أرقى منه عقلاً. ولم يكن في مقدور الألمان الذين أخذوا يتكاثرون بسرعة أن يفهموا الثقافة الرومانية؛ فلم يقبلوها، ولم ينقلوها إلى غيرهم من الشعوب؛ وكان الشرقيون الذين يتناسلون هم أيضاً بسرعة يميلون إلى تدمير هذه الثقافة، أما أصحابها الرومان فقد ضحوا بها في سبيل