الراحة التي يجلبها العقم؛ وقصارى القول أن روما لم يغلبها على أمرها غزو البرابرة لها من خارجها بل غلبها تكاثر البرابرة في داخلها.
وعجل الفساد الخلقي هذا الانحلال. ذلك أن صفات الرجولة التي نشأت من بساطة العيش وتحمل المشاق ودعمها إيمان قوي - نقول إن هذه الصفات قد أضعفها بهرج الثروة وحرية عدم الإيمان. فقد أوتى الناس من أهل الطبقتين الوسطى والعليا في ذلك الوقت الوسائل التي يتمكنون بها من إرضاء شهواتهم والخضوع لما يحط بهم من غوايات، لا يصدهم عن ذلك إلا ما عساه أن يكون لديهم من واجب مراعاة اللياقة الآداب العامة. وضاعف ازدحام المُدن بالسكان ضروب التعاقد والمشارطات العامة، ومنعت رقابة الحكومة والأمة من الامتداد إليها، وجاءت الهجرة بمائة أو نحوها من الثقافات التي لم يعد يهتم الناس بالتفريق بينها لكثرة ما بينها من فروق. وانحطت عند الناس معايير الخلق والجمال لتغلب طبقات الشعب وما أصبح لها من أثر كبير في البلاد، وتحررت الشهوات الجنسية من القيود في الوقت الذي ضاعت فيه الحرية السياسية.
ويقول عظيم المؤرخين: إن المسيحية كانت أهم أسباب سقوط الدولة الرومانية (١١)، لأن هذا الدين، كما يزعم هو ومَن يسير على نهجه (١٢)، قد قضى على العقائد القديمة التي كانت هي الدعامة الخلقية للنفوس الرومانية؛ والدعامة السياسية للدولة الرومانية، ولأنه ناصب الثقافة القديمة العداء - فحارب العلم، والفلسفة، والأدب، والفن، وجاء بالتصوف الشرقي الموهن فأدخله في الرواقية الواقعية التي كانت من خصائص الحياة الرومانية، وحول أفكار الناس عن واجبات هذا العالم ووجههم إلى الاستعداد لاستقبال كارثة عالمية وهو استعداد مضعف للعزيمة؛ وأغراهم بالجري وراء النجاة الفردية عن طريق الزهد والصلاة، بدل السعي للنجاة الجماعية بالإخلاص للدولة والتفاني في الدفاع، وحطم وحدة الإمبراطوريّة حين كان الأباطرة العسكريون يكافحون للاحتفاظ بها، وشجع أتباعه على