لقد كان قسطنطين قائداً بارعاً، وإدارياً عظيماً، وسياسياً لا يشق له في شئون الحكم غبار ورث الأعمال التي كان يبغي بها دقلديانوس ديانوس إعادة الدولة إلى سابق عهدها وأتمها؛ وبفضله طال عمر الإمبراطوريّة ١٥٠ عاماً. وقد واصل أنماط الحكم الملكي المطلق التي سار عليها أورليان ودقلديانوس مدفوعاً إلى هذا بأطماعه وكبريائه وباعتقاده أن الحكم المطلق هو العلاج الذي تتطلبه الفوضى السائدة في ذلك الوقت. وكان أكبر أخطائه تقسيمه الإمبراطوريّة بين أبنائه؛ ولعله قد تنبأ بأن هؤلاء الأبناء سيتنازعون فيما بينهم، يريد كل منهم أن ينفرد بالملك، كما فعل هو من قبل، ولكنه ظن أنهم سيتقاتلون حتماً إذا اختار وارثاً للملك غيرهم؛ وهذا أيضاً هو الثمن الذي تبتاع به الملكية المطلقة. أما أوامره التي أصدرها بالإعدام فليس في مقدورنا أن نصدر حكماً صحيحاً عليها لأنا لا نعرف أسبابها. وربما كانت مشاكل الحكم وأعباءه الثقيلة قد ناءت به فتغلبت المخاوف والغيرة على العقل والحكمة إلى حين، وإن لدينا الشواهد على أنه في سنيه الأخيرة قد ندم أشد الندم على ما فعل. ويبدو أن عقيدته المسيحية، التي كانت في بدايتها خطة سياسية، قد استحالت بالتدريج إلى إيمان صحيح استمسك به بإخلاص، وأصبح أكثر المبشرين في دولته مثابرة على عمله، واضطهد الملاحدة اضطهاد المؤمن المخلص لدينه، وكان يعتمد على الله في كل خطوة يخطوها. وقد وهب الإمبراطوريّة الهرمة حياة جديدة بأن ربط بينها وبين دين فتي، ونظام قوي، ومبادئ أخلاقية جديدة وكان في عمله هذا أعظم حكمة من دقلديانوس. وبفضل معونته أضحت المسيحية دولة وديناً، وأمست هي القالب الذي صبت فيه الحياة الأدبية والفكر الأوربي مدى أربعة عشر عاماً، ولعل الكنيسة التي رأت أن تشكر له فضله عليها كانت محقة حين لقبته بأنه أعظم الأباطرة إذا استثنينا أغسطس وحده.