للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على أمرهم أو قتل أهلهم من بغض شديد، وما يكنه له الشعب الممتعض من طغيانه والمشمئز من أصله الأجنبي من عداء واحتقار. وقد ارتفع إلى العرش بمساعدة روما وأموالها، وبقى إلى آخر عمره صديقاً وخاضعاً للسلطة التي كان الشعب يأتمر بالليل وبالنهار ليخلع عنه نيرها ويسترد حريته منها. وقد ثقُل عبء الضرائب التي فرضها على بلاده ذات الموارد الاقتصادية الضئيلة ليستمتع بها بلاطه المترف ويُحقق بها منهاجه الضخم في البناء الذي لا تطيقه الثروة القومية. وما لبث هذا العبء الثقيل أن قصم ظهرها واستنزف جميع مواردها. وحاول هيرود أن يهدئ ثائرة شعبه بمختلف الوسائل، لكن جهوده كلها لم تجده نفعاً. من ذلك أنه نزل عن المتأخر من الضرائب عن السنين الماضية، وأقنع روما بأن تخفض مقدار الجزية المفروضة على بلاده، وحصل لليهود على مزايا في البلاد الأجنبية، وأنقذ البلاد إنقاذاً عاجلاً من القحط وغيره من الكوارث، وحافظ على الأمن والنظام في الداخل وسلامة البلاد من الأعداء من الخارج، ونمى موارد البلاد الطبيعية. وفي عهده قضى على اللصوص وقطاع الطرق، ونشطت التجارة ودب دبيب الحياة في الأسواق والثغور. لكن الملك في الوقت نفسه أثار غضب الشعب بفساد أخلاقه، وقسوته في العقاب، وموت أرستبولس حفيد هركانس الثاني والوارث الشرعي لعرش البلاد غريقاً "مصادفة" في الحمام. وأخذ الكهنة الذين قضى على سلطتهم، والذين عين هو رؤساءهم، يأتمرون به، وحدّ عليه الفريسيون لما بدا من أنه يعتزم صبغ بلاد اليهود بالصبغة اليونانية.

ذلك أن هيرود كان يحكم كثيراً من المُدن التي كانت يونانية أكثر منها يهودية في سكانها وثقافتها؛ وقد تأثر بما تمتاز به الحضارة الهلنية من رقة وتنوّع؛ هذا إلى أنه لم يكن يهودياً في أصله أو مؤمناً بهذا الدين عن عقيدة؛ وقد دعا هذا كله بطبيعة الحال إلى العمل على توحيد ثقافة مملكته، وخلع مظاهر الروعة والجلال على حكمه بتشجيع أساليب الحياة والملابس، والأفكار،