للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالتعجب والدهشة من كون لا نهائي ساطع براق. ولكنها كذلك محاولة فلسفية لتكييف الفكر البشري مع كون يشكل فيه كوكبنا الذي نعيش عليه جزءاً غاية في الصغر من اتساع لا يمكن إدراك مداه. أن الأرض ليست مركز العالم، وكذلك الشمس ليست مركزاً له، وفيما وراء العالم الذي نراه (ولم يكن هناك تلسكوب حين كتب برونو) عوالم أخرى (كما أوضح التلسكوب بعد ذلك بقليل وفيما وراء هذه العوالم الأخرى توجد عوالم أخرى أيضاً كما أثبت التلسكوب بعد تحسينه)، وهكذا إلى ما نهاية، إننا لا نستطيع أن ندرك نهاية أو بداية. وبدلاً من النجوم "الثابتة" كما ظن كوبرنيكس أنها ثابتة، فإنها تغير مواقعها على الدوام، وحتى في السموات كل الأشياء تجري. والفضاء والزمن والحركة كلها أمور نسبية. وليس هناك مركز ولا محيط، ولا ارتفاع وانخفاض. وتختلف نفس الحركة عند رؤيتها من أماكن أو نجوم مختلفة. ولما كان الزمن هو مقياس الحركة، فإن الزمن نسبي كذلك، وربما كان هناك نجوم كثيرة تسكنها كائنات حية ذكية. فهل مات المسيح من أجلهم كذلك؟ على أنه في هذا الاتساع الذي لا نهاية له، هناك بقاء ثابت للمادة، وولاء دائم محيد عنه القانون.

ولما كان الكون لا نهائياً، لا يمكن أن يكون هناك "لا نهائيان"، فإذن يكون "الله" اللانهائي والكون اللانهائي شيئاً واحداً (وهنا قول سبينوزا "الله أو المادة أو الطبيعة")، ليس هناك "مدبر أول" كما قال أرسطو، بل هناك حركة أو طاقة متأصلة في كل جزء من هذا الكل. وليس الله عقلاً خارجياً .... والأجدر به أن يكون القاعدة الداخلية للحركة، وهي طبيعته وروحه (٢٧). والطبيعة هي العقل الخارجي الإلهي، على أن هذا العقل ليس موجوداً في "سماء عليا" بل هو موجود في كل جزء من جزيئات الواقع.