في بث الطمأنينة من جديد أطلق على "التأملات": تأملات رينيه ديكارت في فلسفة أولى، أبرز فيها وجود الله وخلود النفس. وأهدى الكتاب إلى الحكيم الألمعي عميد كلية اللاهوت المقدسة في باريس"، أي السوربون. وتقبل العميد الهدية، ولكن في ١٦٦٢ أدرج الكتاب في قائمة الكتب المحظورة، "حتى يتم تصحيحه". وبدأ الكتاب على نفس النسق الجريء الذي بدأت به "المقالات" "اليوم … وقد هيأتُ لنفسي انقطاعاً أكيداً لرياضة روحية هادفة، فلسوف أنكب أخيراً، انكباباً منطلقاً جاداً، على استعراض عام لكل آرائي السابقة (٩٣)". لقد ألقى بها جميعاً من النافذة، ثم أجاز لها الدخول من الباب. ولم يكن من بين هذه الآراء، إيمانه بإله عادل قدير فحسب، بل كذلك إيمانه بإرادة إنسانية حرة وسط آلية (ميكانيكية) كونية، ونفس باقية (غير فانية) على الرغم من اعتمادها الواضح على جسدٍ فانٍ. ومهما سلمنا بمنطق العلاقة الوثيقة التي لا تنفصم عراها بين السبب والنتيجة في عالم المادة والجسد، فإن حرية إرادتنا فكرة من إحدى الفكرات الفطرية المتأصلة، الواضحة الجلية، الحية المباشرة، إلى حد أنه لا يمكن أن يشك فيها أحد قط، مهما حاول كثيراً أن يتلاعب بها (أي الفكرات) في النظريات المجردة (٩٤).
إن فكرة الله، وفكرة النفس، وفكرة المكان والزمان، وفكرة الحركة، والبديهيات الرياضية كلها فطرية متأصلة، بمعنى أن النفس لا تستمدها من الإحساس والخبرة، بل من جوهرها وعقلانيتها.
(وهنا قد يعترض لوك، ويوافق كانت). ومهما يكن من أمر، فإن هذه الأفكار الفطرية قد تظل لا واعية حتى تخرجها الخبرة في صورة واعية، والنفس حينئذ لا تكون نتاجاً للخبرة، بل شريكها النشيط المبدع في إنتاج الفكر. إن هذه النفس العقلانية "القدرة على التعقل" واضح أنها غير مادية، وليس لأفكارها طول ولا عرض، ولا موقع ولا وزن، ولا أية خاصية أخرى من خواص المادة (٩٥). "إني أنا، أي النفس التي أنا بها كما أنا عليه الآن، هي أساساً متميزة عن الجسد بل حتى من الأيسر أن نعرفها مما نعرفه (٩٦) ". وعلى ذلك فإن هذا العقل أو النفس غير المادية يمكن أن تبقى بعد الجسد، ولا بد أنها تبقى.