حيث أسس كنيسة جانسنية. وإذ أكتسب كتابه التأييد الكثير من الأيكروس العلماني الفرنسي، فقد أقنع لويس البابا كامنت الحادي عشر بأن يصدر مرسوم Unigenitus (٨ سبتمبر ١٧١٣) الذي أدان ١٠٤ قضية نسبت إلى كينيل. وقد استاء كثير من الأحبار الفرنسيين من المرسوم لأنه تدخل بابوي في شئون الكنيسة، واتحدت الجانسنية مع أحياء للحركة الغالية. فلما مات لويس الرابع عشر، كان في فرنسا من الجانسنيين أكثر مما كان فيها في أي عهد مضى (٨٠).
ويصعب علينا اليوم أن نفهم لم انقسمت أمة، وثارت ثائرة ملك، حول مشاكل عويصة تتصل بالنعمة الإلهية، والجبرية، وحرية الإرادة، ولكننا ننسى أن الدين كان له يومها ما للسياسة الآن من أهمية وخطر. وكانت الجانسنية الجهد الأخير الذي بذلته النهضة الأوربية في فرنسا، والانتفاضة الأخيرة للعصور الوسطى. ونحن إذا تأملناها في منظور التاريخ بدت لنا رجعية لا تقدماً. بيد أن تأثيرها في عدة نواحٍ كان تقدمياً. فقد كافحت حيناً في سبيل قسط من الحرية-وإن كنا سنجدها في أيام فولتير أشد تعصباً من البابوية (٨١). وحدت من شطط الإفتاء الديني. وكانت غيرتها على الأخلاق ثقلاً نافعاً أمام سياسة التراخي في أمور الاعتراف، تلك السياسة التي ربما شاركت في تدهور الأخلاق الفرنسية. كذلك كان تأثيرها التعليمي طيباً، وكانت "المدارس الصغيرة" التي أسستها خير المدارس في زمانها. وظهر تأثيرها الأدبي لا في بسكال وحده بل في كورنبي باعتدال، وفي راسين بحيوية، وهو تلميذ البور-رويال ومؤرخه. أما تأثيرها الفلسفي فكان غير مباشر وغير مقصود، ففكرتها عن الله قاضياً بالعذاب الأبدي على الشطر الأكبر من النوع الإنساني-بما فيهم جميع الأطفال غير المعمدين، وجميع المسلمين وجميع اليهود-لعل هذه الفكرة شاركت في دفع رجال كفولتير وديدرو إلى التمرد على اللاهوت المسيحي بأسره.