من كنيسة روما، ولكن ما كان أروع سلوك الملكة بعد إعدام زوجها علة هذا النحو الإجرامي الرهيب! لقد تقبلت أحزانها كفارة وبركة، وحمدت الله عليها وعاشت أحد عشر عاماً في صلاة متواضعة صابرة، وأخيراً أثيبت على تعبها، فرد إلى عرشه، وكان في وسع الملكة الأم أن تسكن القصور من جديد، ولكنها آثرت عليها دبراً في فرنساً، ولم تستعمل ثروتها الجديدة إلا في الاستكثار من أعمال البر.
وكان أشد من هذه تأثيراً وأوثق قرباً للتاريخ وللذكريات الفرنسية تلك العظة التي ألقاها بوسويه بعد عشرة شهور فوق جثمان هنرييتا آن. وكان قد رسم قبيل ذلك أسقفاً لكوندوم في جنوب غربي فرنسا، ومن أجل هذا الخطاب جاء إلى كنيسة دير سان-دنى في كل بهائه الأسقفي، يتقدمه المنادون، وعلى رأسه تاج الأسقفية، وفي إصبعه تتألق الزمردة الكبيرة التي أهدته إياها الأميرة المتوفاة. وفي مثل هذه العظات كان يحد من انفعال الخطيب تفكيره في الموت في صورة عامة، أما الآن فقد كان الموت موت واحدة كانت حتى الأمس القريب مسرة الملك وبهاء البلاط، وأجهش الحبر الجليل بالبكاء وهو يذكر كيف فوجئ القوم مفاجئة أليمة بهذه اللطمة التي جعلت فرنسا كلها تنوح وتتعجب من طرق الله. ثم وصف هنربيتا لا بموضوعية فاترة، بل بتحيز المحبة-"لقد كانت على الدوام لطيفة مسالمة سمحة خيرة (١٠٧) "-واكتفى بالإلماع في إيجاز حكيم إلى أن سعادتها لم تتكافأ مع فضائلها. ثم تجاسر حتى هذا الأسقف الأريب ركن السنية الركين وحارسها الأمين-تجاسر لحظة على أن يسأل الله لم يزدهر كل هذا الشر والظلم على الأرض (١٠٨). ثم عزى نفسه وجمهوره بذكرى تقوى هنريتا في احتضارها، وبالأسرار المقدسة التي طهرتها من كل علاقاتها الأرضية، غلا ريب إذن أن روحاً رقيقة مطهرة كروحها تستحق الخلاص، بل إنها لتزين الفردوس نفسه!
وبسبب خطأ نادر في الحكم على الأخلاق عين لويس بوسويه (١٦٧٠)