لأنه كان ثمرة الازدهار الأخير لإقطاعي مكتهل في بيريجوز تزوج آنسة نبيلة رغم فقرها. ضارباً صفحاً عن تذمر أبنائه الكبار، وأقصى الابن الجديد عن المال بنذره للكنيسة. وربته أمه، فشب على أناقة في الحديث ورهافة في الحس أشبه بأناقة حديث النساء ورهافة حسنهن. وقد أحسن تثقيفه في الآداب القديمة على يد معلم خاص ويسوعي باريس، فأصبح أديباً لا قسيساً فحسب. وكان في استطاعته أن يباري أي مهرطق في الاستشهاد بأقوال الوثنيين، ويكتب الفرنسية بأسلوب حساس مرهف مهذب هو نقيض أسلوب بوسويه الخطابي، والفحل، الجزل.
رسم كاهناً في الرابعة والعشرين (١٦٧٥)، وسرعان ما رقي رئيساً لدير "الكاثوليك الجدد". وهنا أضطلع بمهمة شاقة هي رد الشابات اللاتي أبعدن عن البروتستنتية حديثاً إلى حظيرة الإيمان الكاثوليكي. وقد استمعن إليه أول الأمر على مضض، ثم في استسلام، ثم في محبة، لأنه كان يسيراً على المرء أن يقع في غرام فنيلون، ثم أنه الرجل الوحيد المتاح لهن. وفي ١٦٨٦ أرسل إلى إقليم لاروشل ليعاون على هداية الهيجونوت. وقد حبذ مرسوم الإلغاء، ولكنه استنكر العنف، وأنذر وزراء الملك بأن هداية الناس بالإكراه لن تكون إلا سطحية ومؤقتة. ولما عاد إلى الدير بباريس نشر (١٦٨٧)"رسالة في تعليم البنات" تكاد تستشف فيها روح روسو في دفاعها عن الوسائل اللينة في التربية. ولما عين الملك الدوق دبوفيلييه مربياً لحفيده دوق برجنديه، البالغ من العمر ثمانية أعوام، طلب إلى فنيلون أن يتولى تعليم الصبي (١٦٨٩).
أما الدوق الصغير فكان متكبراً عنيداً مشبوب العاطفة، في طبعه أحياناً شراسة وقسوة، ولكنه أوتي ذهناً متألقاً وذكاء متوقداً. وأحس فنيلون أن الدين وحده هو الكفيل بترويضه، فأشربه مخافة الله ومحبته معاً، واكتسب في الوقت نفسه احترام تلميذه بأخذه بنظام حازم خفف