الدينية ومع ذلك يرقى إلى السماء، لا بعد الموت فحسب بل في الحياة أيضاً. وكانت محكمة التفتيش قد أدانت القس الأسباني ميجويل دي مولينوس (١٦٨٧) لأنه بشر بـ"هدوئية" كهذه في إيطاليا، ولكن الحركة كانت تنتشر في جميع أرجاء أوربا-في "تقوية" ألمانيا والأراضي المنخفضة، وبين الكويكرز وأفلاطوني كمبردج بإنجلترا، وبين "المنذورين" في فرنسا.
وقد بسطت مدام جويون آراءها في عدة كتب ببلاغة مؤثرة. فزعمت أن النفوس أشبه بالسيول التي انبثقت من عند الله وأنها لن تجد الراحة حتى تفني نفسها فيه تعالى كأنها الأنهار يبتلعها البحر، فإذا الفردية تتلاشى، وإذا الوعي بالذات أو بالعالم، بل الوعي كله، ينتهي ولا يبقى غير الاندماج في الله. في مثل هذه الحال تكون النفس معصومة، لا ينال منها خير ولا شر، ولا فضيلة ولا خطيئة. فمهما فعلت ففعلها صواب، ولا تستطيع قوة أن تؤذيها. وقالت مدام جويون لبوسويه "أنها لا تستطيع أن تطلب المغفرة على ذنوبها، لأنه لا ذنوب في عالم الوجد الصوفي الذي تعيش فيه (١١٩) ". ورأت بعض نساء الطبقة الأرستقراطية في هذه الصوفية لوناً رفيعاً من التقوى. وكان من بين مريدتها السيدات بوفيلييه، وشوفروز، وبورتمار، بل-إلى حد ما-مدام دمانتنون. واستهوى فنيلون نفسه هذا المزيج الساحر من التقوى والثراء والحسن. وكان خلقه هو ذاته مزيجاً معقداً من الصوفية والطموح والعاطفة الرقيقة. فأقنع مدام دمانتنون بأن تسمح لمدام جويون بالتدريس في المدرسة التي أسستها زوجة الملك السرية في سان سير، وطلبت مانتنون إلى الكاهن اعترافها أن ينصحها في أمر مدام جوريون، فاستشار بوسويه، ودعا بوسويه المتصوفة لتشرح له تعاليمها، ففعلت. وتوجس الأسقف الحذر فيها خطراً يتهدد لاهوت الكنيسة وممارساتها، لأنها لم تستغن عن الأسرار المقدسة والكاهن