استطاع الفن الهولندي والفلمنكي أن يعبر عن الأراضي المنخفضة، وأصبح الفن صوت طبقة، وصوت الدولة والملك، لا صوت الأمة. فأنت لا تجد في فن هذه الحقبة الكثير من دفء الوجدان أو عمقه، ولا تجد ألوان روبنز الفنية وأجساده المكتنزة، ولا تجد الظلال العميقة التي تلف حاخامات رمبرانت وقديسيه ومالييه، ولا ترى فلاحين ولا عمالاً، ولا متسولين، بل السعادة الجميلة ترتع فيها صفوة البشر.
وأبهج كولبير ومولاه أن يجدا في شارل لبرون رجلاً يستطيع أن يكون في وقت واحد خادماً غيوراً للحكومة وقاضياً متسلطاً في هذا الطراز الكلاسيكي، ففي ١٦٦٦ عين لبرون بتوصية كولبير كبيراً لمصوري الملك ومديراً لأكاديمية الفنون الجميلة، وبعد عام عهد إليه بمصنع جوبلان، ووكل بالإشراف على تعليم الفنانين وتشغيلهم لينمي في أعماله تناسقاً في الأسلوب مميزاً للعهد وممثلاً له. وبمعاونة مساعدين على شاكلته في التفكير أنشأ لبرون في الأكاديمية نظام "المحاضرات"(١٦٦٧) التي غرست بفضلها أصول الأسلوب الكلاسيكي بتعاليم وأمثلة وسلطان. واختير رفائيل من بين الفنانين الإيطاليين، وبوسان من بين الفنانين الفرنسيين، نموذجين مفضلين على غيرهما، وكانت كل لوحة يحكم عليها بمعايير مستقاة من فنها. وقد صاغ لبرون وسباستيان بوردون هذه القواعد، فرفعا الخط فوق اللون، والانضباط فوق الأصالة، والنظام فوق الحرية، ولم تعد مهمة الفنان أن ينقل الطبيعة بل أن يجملها، ولا أن يعكس فوضاها وعيوبها وبشاعتها كما يعكس جمالها العارض، بل أن ينتقي من بين سماتها تلك التي تتيح للنفس الإنسانية الإفصاح عن أعمق مشاعرها وأرفع مثلها. وكان على المعماريين والمصورين والنحاتين والخزافين وصناع المشغولات الخشبية والمعدنية والزجاجية والنقاشين، أن ينطقوا في صوت متناسق واحد بتطلعات فرنسا وبعظمة الملك.