من روان إلى باريس ليمهدا الطريق أمام فرقتهما. وزاره أباه، وظفر بعفو عن ذنوبه ومهنته. ثم أقنع فيليب الأول دوق أورليان بأن يبسط حمايته على الفرقة وأن يحصل لها على إذن بإقامة حفلة تمثيلية بالبلاط.
وفي اكتوبر ١٦٥٨ مثلت "فرقة المسيو" هذه أمام الملك في قاعة الحرس باللوفر مأساة كورني "نيكوميد"، ومثل موليير الدور الرئيسي دون توفيق كبير، لأنه كما يقول فولتير كان يعاني "من ضرب من الفواق لا يلائم البتة الأدوار الجادة، ولكنه يعين على جعل تمثيله في الملهاة أكثر إمتاعاً"(٨). وقد أنقذ الحفلة بأن أتبع المأساة بملهاة فقدت الآن معالمها، ومثل بحيوية ومرح، وحاجب مرفوع وفم مثرثر جعل الجمهور يتساءل لم يمثل المأساة إطلاقاً. وكان الملك من الصبا ما جعله يستمتع بهذا الهزل، ومن الرجولة ما جعله يقدر شجاعة موليير. فأصدر تعليماته بأن تشارك فرقة المسيو فرقة سكاراموش الإيطالية في قاعة البتي بوربون، وهناك أيضاً أخفق الممثلون الوافدون حين حاولوا تمثيل المآسي التي قصروا في أدائها دون ممثلي الملك في الأوتيل دبورجون، ووفقوا في التمثيليات الهزلية، لا سيما التي ألفها موليير. ومع ذلك واصلوا إخراج المآسي. ذلك أن كبار الممثلات كن يشعرن بأنهن يتألقن أكثر في الدراما الجادة، ولم يكن موليير نفسه راضياً قط بأن يكون كوميدياً، لأن صراعات الحياة وسخافاتها أورثته مسحة من الحزن، وقد وجده أمراً فاجعاً له أن يكون على الدوام مضحكاً. يضاف إلى هذا أنه سئم هزليات المكائد الغرامية والشخصيات المبتذلة وكباش الفداء المألوفة؛ وأكثرها أصداء لإيطاليا. وتلفت حوله في باريس فرأى فيها أشياء لا تقل إضحاكاً عن بوليشينيل وسكاراموش. وروي عنه قوله "لم يعد بي حاجة إلى اتخاذ بلوتس وتيرنس أساتذة لفني أو إلى السطو على ميناندر. فما علي إلا أن أدرس هذه الدنيا"(٩).