شيئاً يفكر في مائة شيء مختلف في لحظة ويأمر بدني بأن يصنع ما أريد؟ أريد أن أصفق بيدي، وأرفع ذراعي، وأنظر بعيني إلى السماء، وأخفض رأسي، وأحرك قدمي، وأمشي يميناً، ويساراً، وأماماً، وخلفاً، وأدور (يقع على الأرض وهو يدور).
جوان: هذا حسن! أن لحجتك أنفاً مكسوراً (٢٨).
وفي المشهد التالي تتخذ الخصومة بين جوان والدين صورة أخرى. فهو يلتقي بشحاذ يزعم أنه يصلي كل يوم من أجل المحسنين إليه، فيقول جوان:"أن رجلاً يصلي كل يوم لابد أن يكون غنياً جداً" ويجيب الشحاذ إن الأمر على العكس من ذلك "ففي أكثر الأحيان لا أجد حتى كسرة خبز" ويعرض عليه جوان جنيهاً ذهبياً شريطة أن يجدف، ولكن الشحاذ يرفض "إني أفضل الموت جوعاً" ويذهل جوان قليلاً لهذه الصلابة فيعطيه قطعة النقود وهو يقول "حباً في الإنسانية (٢٩) " ويعرف كل رواد الأوبرات نهاية القصة، إذ يصادف جوان تمثالاً للقائد الذي أغوى ابنته وأودى بحياته. فيدعوه التمثال إلى العشاء، فيحضر، ويناوله يده، فيقوده إلى الجحيم. ويظهر الجهاز الشيطاني المعهود في المسرح الوسيط، "فينقض الرعد والبرق بضوضاء عظيمة على دون جوان، وتفغر الأرض فاها وتبتلعه، وتندلع نار هادئة من المكان الذي سقط فيه".
وقد صدم الجمهور في أول ليلة لما رأي من فضح موليير لكفر جوان. ولعل هذا الجمهور لم يكن يرى بأساً بأن يفضح سفالة جوان وافتقاره إلى اللاهوت، وبأنه أماط اللثام عنه وحشاً لا ضمير له ولا حنو، ينشر الخداع والحزن أينما ذهب، ولعله لاحظ أن المؤلف عرض ضحايا الوغد بكل ما فيه من عطف، ولكنه لاحظ أن الرد على الكفر جاء على لسان أحمق يؤمن بالعفاريت إيماناً أرسخ من إيمانه بالله، ولم يخفف من وقع هذا الكفر إلقاء جوان في الجحيم أخيراً، لأن الجمهور رآه يهبط إلى الجحيم