من فضح لأثرة الغير. ولم يفطنوا إلى أن القصة إنما تروى عنهم، إلا فيما ندر.
ووجهة نظر لاروشفوكو أوردها ثاني أمثاله:"إن حب الذات هو حب الإنسان لنفسه، ولأي شيء آخر لأجله. وحياة الإنسان كلها ليست إلا ممارسة متصلة لهذا الحب وتحريضاً قوياً له" وليس الغرور إلا شكلاً من الأشكال الكثيرة التي يتخذها حب الذات، ولكن حتى هذا الشكل يدخل في كل فعل وفكر تقريباً، وقد تنام شهواتنا أحياناً، ولكن غرورنا لا يهدأ أبداً "إن الذي يرفض الثناء أول مرة يرفضه أنه يريد سماعه ثانية (٧٤) ". والتلهف على استحسان الناس لنا هو الأصل لكل الأدب والبطولات الواعية. "وكل الناس يستوون كبرياء، والفرق الوحيد هو أنهم لا يتبعون كلهم نفس الطرق في إبدائها (٧٥) ". "إن الفضائل تضيع في المصلحة الذاتية كما تضيع الأنهار في البحر (٧٦) ". "ولو تأملنا أفكارنا الخفية لوجدنا في صدورنا بذرة كل الرذائل التي نستنكرها في غيرنا" ولاستطعنا أن نحكم من الواقع فسادنا الشخصي على الفساد المتأصل في الإنسان (٧٧). وما نحن إلا عبيد شهواتنا، وإذا قهرت شهوة منها فقاهرها ليس العقل بل شهوة أخرى (٧٨)، "والعقل يستغفله الوجدان دائماً"، "والناس لا يشتهون شيئاً بلهفة إذا طلبوه انصياعا لأوامر العقل فقط (٧٩) "، "وأبسط الناس إذا أعانته العاطفة المشبوبة سينتصر أكثر من أفصح الناس بدونها (٨٠) ".
وفن الحياة يكمن في إخفائنا حب ذواتنا بقدر يكفي لتجنب إغضاب حب الغير لذواتهم. وعلينا أن نتظاهر بقدر من الإيثار "إن النفاق ضرب من الاحترام الذي تقدمه الرذيلة للفضيلة (٨١) ". واحتقار الفيلسوف المزعوم للثراء أو عراقة النسب ليس إلا طريقته في الترويج لبضاعته. وما الصداقة "إلا تجارة لا يفتأ حب الذات يطلب الكسب من ورائها (٨٢) " وقد نقيس إخلاصها إذا لاحظنا أننا نجد في نكبات أصدقائنا شيئاً ليس كله