وقبل الرشاوي لقاء وعد بألا يفرض ضريبة أكثر مما فرضه، ثم عاد ففرض ضريبة، واستولى للشركة على الأراضي التي لم تستطع دفعها، واحتل "أوز" بجيشه، ثم باعها لأحد الأمراء بمليونين ونصف مليون من الريالات (٥)؛ وتسابق الهازم والمهزوم في الرشوة؛ وفرضت على أجزاء الهند التي خضعت لسلطان الشركة ضريبة أراض بلغت خمسين في كل مائة وحدة من وحدات الإنتاج، بالإضافة إلى فروض أخرى كانت من الكثرة والقسوة بحيث فرّ ثلثا السكان، وباع آخرون أبنائهم ليسدوا ما كانوا يطالبون به من ضرائب متصاعدة (٦)؛ ويقول ماكولي:"جمعت في كلكتا أموال طائلة في وقت قصير، ودفع بثلاثين مليونا من الأنفس البشرية إلى أقصى حدود الشقاء؛ نعم قد تعودوا من قبل أن يعيشوا في جو من الطغيان لم يبلغ بهم كل هذا المدى"(٧).
فما جاءت سنة ١٨٥٧ م حتى كانت جرائم الشركة قد أفقرت الجزء الشمالي الشرقي من الهند إفقارا أوغر صدور الأهالي فشقوا عصى الطاعة في ثورة يائسة؛ عندئذ تدخلت الحكومة البريطانية، وقمعت "العصيان" وتولّت هي الحكم في الأراضي التي سيطرت عليها، واعتبرتها مستعمرة للتاج، ودفعت عن ذلك تعويضا سخيا للشركة، وأضافت ثمن الشراء هذا إلى الدين العام في الهند (٨)؛ لقد كان هذا فتحا للبلاد صريحا غاشما، وقد لا يجوز لنا أن نحكم عليه بمعيار "الوصايا الخلقية" التي يحفظها الناس في غرب السويس، إذ ربما كان الأجدر أن نفهم الموقف على أساس "دارون" و"نيتشه": فشعب عجز عن حكم نفسه أو عجز عن استغلال موارده الطبيعية، لابد من وقوعه فريسة لأمم تعاني مما يستثيرها من دوافع الجشع وبسط النفوذ.
وعاد هذا الفتح ببعض المزايا على الهند؛ فرجال أمثال "بنتنك" و"كاننج" و"منرو" و "إلفنستون" و "ماكولي" أدخلوا في إدارة الأجزاء البريطانية من الهند شيئا من سخاء الحرية التي سادت إنجلترا عام ١٨٣٢؛