من قبله "أكبر" - أن تتحد الهند كلها في عقيدة دينية بسيطة، لكنه - مثل "أكبر" لم يحسب حساب الخرافة وتأصلها في قلوب الدهماء؛ ولهذا فقد أصبحت "براهما - سوماج" اليوم - بعد مائة عام قضتها في جهاد مفيد - بحيث لا ترى لها أثرا في الحياة الهندية (١).
والمسلمون هم أقوى الأقليات الدينية في الهند وأكثرها إثارة للاهتمام، وسنرجئ دراسة دينهم إلى جزء آخر من أجزاء هذا الكتاب؛ وليس العجيب أن يفشل الإسلام في اكتساب الهند إلى اعتناقه على الرغم من معاونة "أورنجزيب" له على ذلك معاونة متحمسة، إنما المعجزة هي ألا يخضع الإسلام في الهند للهندوسية؛ فبقاء هذه الديانة الموحدة على بساطتها وصلابتها، وسط ألوان متشابكة من الديانات التي تذهب إلى تعدد الآلهة، دليل يشهد على ما يتصف به العقل الإسلامي من رجولة، وحسبنا لكي نقدر عنف هذه المقاومة وجسامة هذا المجهود أن نذكر كيف تلاشت البوذية في البرهمية، فإله المسلمين له اليوم سبعون مليونا من عباده في الهند.
لم يطمئن الهندي إلا قليلا إلى أية عقيدة دينية مما جاءه من خارج بلاده، وأولئك الذين كان لهم أبلغ الأثر في شعوره الديني إبان القرن التاسع عشر هم
(١) لها اليوم من الاتباع نحو خمسة آلاف وخمسمائة (١٦)؛ نشأت جمعية إصلاحية أخرى، اسمها "آريا. سوماج" (أي الجمعية الآرية) أسسها "سوماي دياناندا"، ودفعها في طريق التقدم دفعا يستحق الإعجاب المرحوم "لالا جبات راي"، وقد أنكرت هذه الجمعية نظام الطبقات وتعدد الآلهة والخرافة والأوثان والمسيحية، واستحثت الناس للعودة إلى ديانة الفيدات بما لها من قواعد ابسط من تعاليم المسيحية والوثنية؛ واتباع هذه الجمعية الآن يبلغون نصف المليون (١٧) وانقلب الوضع، فأثرت الهندوسية في المسيحية تأثيرا يظهر فيه "علم الكلام" - وهو مزيج من التصوف الهندي والأخلاق المسيحية، نشأ في الهند وارتقى على أيدي امرأتين أجنبيتين عن أهل البلاد هما: "مدام هيلينا بافاتسكي" (١٨٧٨) "ومسز آني بزانت" (١٨٩٣).