وربما أصبحت حياة الأسرة عبئاً ثقيلاً، لقد توفيت زوجته الأولى في ١٦٥٨ تاركاً له أربعة أطفال أحدهم أعمى، وكنت الثانية حاملاً. وعاون الجيران في إقامة أود الأسرة، وأسهم بنيان في نفقتها بصنع بعض المحرمات في السجن وتدبير أمر بيعها، وأجيز لزوجته وأولاده أن يزوروه كل يوم كما أجيز لجيرانه أن يعظ رفاق السجن، وأن يغادر السجن متى شاء، حتى للسفر إلأى لندن (١٧). ولكنه استأنف الوعظ سراً فضيقوا عليه الخناق في السجن. وفي المعتقل قرأ الكتاب المقدس المرة تلو المرة، كما قرأ كتاب فوكس "سجل الشهداء"، وأذكى حرارة الإيمان عنده بمحارق الأبطال البروتستانت، ووجد متعة عظيمة في رؤى سفر الرؤيا، ولا بد أنه كان مزوداً بالقلم والقرطاس، لأنه في السنوات الست الأولى من احتجازه كتب ست قطع دينية، كما وضع مؤلفه العظيم "الرحمة تتسع لكبير الخطائين". وهو سيرة حياته الروحية، وهو رؤيا تكاد تكون مفرغة من رؤى العقل البيوريتاني.
وفي ١٦٦٦، وفي ظل "الإعلان الأول للتسامح" الذي أصدره شارل الثاني، أطلق سراح بنيان فعاود الوعظ فأعيد إلى السجن. وفي ١٦٧٢ أجاز "الإعلان الثاني للتسامح" الذي أصدره شارل الثاني، للقساوسة المنشقين أن يلقوا المواعظ، فأفرج عن بنيان، وانتخب على الفور راعياً للكنيسة القديمة. وفي ١٦٧٣ أبطل العمل بإعلان التسامح، وتجدد تحريم الوعظ على المنشقين، فلم يتمثل بنيان له، وأعيد إلى السجن (١٦٧٥)، ولكن سرعان ما أخلى سبيله.
وفي هذه المرحلة الثالثة والأخيرة كتب بنيان الجزء الأول من "انطلاق الحجيج من هذه الدنيا إلى العالم الثاني"، وقد نشر هذا الجزء في ١٦٧٨ وأعقبه الجزء الثاني في ١٦٨٤. (في مقدمة شعرية مضحكة رديئة غير معقولة زعم بنيان أنه كان قد وضع هذا الكتاب ملهاة وتسلية لنفسه دون أن يفكر في نشره) وعرض القصة، في لطف، في صيغة وهم أو