أما "الجهل المسكين" الذي تبعهم، متعثراً في عرجه، دون أن يتزود بالإيمان الصادق، فأنه يأتي إلى أبواب "المدينة السماوية"، ويطرقها، فيسأل عن جواز مروره فلا يجده، فيلقي به الجحيم (٢٢) -إن القصة تروي بشكل جذاب، ولكنا نعطف أحياناً على "العنيد" الذي يقول عن المسيحي ورفاقه، "هناك فئة من هؤلاء المخبولين المغرورين الذين، حين يمسكون بطرف من الخيال، يظنون أنهم أعقل حتى ممن يستطيعون تحكيم عقولهم (٢٣) ".
أن فكر حج النفس من نطاق المغريات الدنيوية إلى نعيم الآخرة، فكرة قديمة، وتلك كانت صفتها المجازية في العصور الوسطى، ويحتمل أن بنيان كان قد قرأ من هذه الكتب (٢٤). وجر النسيان ذيوله الآن عليها في غمرة النجاح الخارق الذي لاقته القصة الجديدة، حيث صدر منها تسع وخمسون طبعة في المائة العام الأول من ظهورها، وبيع منها مائة ألف نسخة قبل وفاة بنيان. وبيع منها ملايين من النسخ منذ هذا الوقت، وترجمت إلى ١٠٨ من لغات أمريكا البيوريتانية. وكانت تقتني في كل بيت تقريباً. ودخلت منها إلى الحديث الدارج عبارات كثيرة- (سلخ) التخلص من الجزع، غرور الدنيا رجل الدنيا الحكيم. وفي القرن العشرين فقد الكتاب شعبيته بسرعة، حيث لم يعد للخلق البيوريتاني وجود، ولم يعد هناك إيمان بما جاء في الكتب ولم يعد يقتنى، ولكنه لا زال فيضاً من اللغة الإنجليزية البسيطة العذبة الواضحة.
وضع بنيان نحو ستين كتاباً، وليس ثمة ما يدعو اليوم إلى قراءتها. وبعد إطلاق سراحه للمرة الأخيرة ١٦٧٥ أصبح واحداً من ألمع الوعاظ في عصره، والزعيم المعترف به لطائفة المعمدانيين في إنجلترا. وأبدى إعجابه بشارل الثاني. وأمر أتباعه بالولاء والإخلاص لملك أسرة ستيورات بوصفه درع إنجلترا وحاميها ضد البابا (٢٥). وبعد انقضاء ثلاث سنوات على إعلان شارل الثاني اعتناقه الكثلكة وهو على فراش الموت، أنهى