للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وا أسفاه ماذا يحملنا على أن نرهق أنفسنا بهذا الهم المقيم، في النهوض بصنعة الراعي (نظم الشعر) البسيطة المحتقرة، وللتأمل بكل ما أوتينا من قوة في ربة الشعر الجحود؟. أما كان من الخير، كما يفعل الآخرون، أن يلهو ويلعب مع الراعية أما ريللس في الظل، أو يعبث بخصلات شعر "نيرا". أن الشهرة هي الحافز الذي يثير الروح الصافية وهي آخر الوهن في (العقل الرفيع)، ليزدري بالمباهج، ويكد ويشقى طوال أيامه. ولكن حين نأمل في الحصول على الجزاء الوفاق. وتفكر في الانطلاق إلى الوهج الخاطف تأتي "الروح العمياء" (ملك الموت) بآلهتها البغيضة، لنقضي على الحياة الواهنة الخيوط.

ويبدو أن جون ملتون الأكبر (الوالد) أحس بأن ست سنوات من الانصراف إلى العمل في رواية وأناة في هورتون كانت جزاء وفاقاً للموهبة التي ابتدعت مثل هذه القطع الغنائية. وليكمل حسن صنيعه أرسل ابنه ليتجول في أنحاء القارة مع دفع كل النفقات. وغادر ملتون إنجلترا في إبريل ١٦٣٢ يرافقه خادم. وقضى بضعة أيام في باريس (وكانت آنذاك تحت قبضة ريشليو العسكرية)، وأسرع إلى إيطاليا، حيث أقام شهرين في فلورنسة، زار خلالها جاليليو الكفيف نصف السجين، والتقى برجال الأدب، وجلس إلى الجامعيين، وتبادل معهم التحية في شعر باللاتينية، ونظم بالإيطالية قصائد السونيت، وكأنه نشأ وترعرع على ضفاف نهر أرنو أو نهر بو. وفي نابلي استقبله ورحب به وكرمه نفس المركيز مانسو الذي صادق وناصر تاسو وماريني من قبل وقضى في روما أربعة أشهر التقى فيها ببعض الكاردينالات المثقفين وأحبهم، ولكنه أعلن بصراحة مذهبه البروتستانتي. ثم عاد إلى فلورنسة، ثم تصد إلى البندقية عبر بولونيا وفيرار، ثم ذهب إلى فينبس عبوراً بمدينة فيرونا وميلان ثم قفل راجعاً إلى لندن مروراً بجنيف وليون وباريس (أغسطس ١٦٣٩).

وفي كتاباته الأخيرة دون قطعتين مشهورتين عن رحلته في إيطاليا.