"سعى مالكو الأرض طوال القرن السابع أن يحصلوا من مستأجري الأرض على أكبر ما يستطيعون من إيجار، وبأقصى ما يمكن من قوة فرضوا على العمال أجور تؤدي بهم إلى الجوع والعوز، وبذلوا قصارى جهدهم في استغلال التشريع ليحصلوا من المستهلك على أسعار عالية تقرب الناس من حافة المجاعة والقحط. والتاريخ زاهر بالشواهد الكثيرة على تفاقم الحال يوماً بعد يوم (٦٦) ".
وفي ١٦٩٦ قدر جريجوري كنج أن ربع سكان إنجلترا كان يعيش على الصدقات، وأن الأموال التي تجمع لإعانة الفقراء كانت تعادل ربع تجارة الصادرات (٦٧). وقهر الأغنياء الفقراء وغلبوهم على أمرهم إلى حد بات معه الأُجراء والفلاحون أضعف من أن يثوروا ويتمردوا، ولمدة نصف قرن خمد صراع الطبقات في إنجلترا (٦٨).
أما الكنيسة الأنجليكانية التي كانت قد تجاسرت أيام شارل الأول على أن تدفع عن الفقراء من وقت لآخر، فقد خلصت الآن، نتيجة للثورة البيوريتانية، إلى أن مصالحها تحقق على أحسن وجه، إذا ربطتها بمصالح طبقات الملاك ربطاً تاماً (٦٩). وكان البرلمان من ائتلاف بين مالكي الأرض وأصحاب المصانع والتجار والرأسماليين. ومن ثم أصغى، بحكم شعور الزمالة المتبادل، إلى صيحات طبقة أرباب العمل ليخلصهم من القوانين التي تعوق انطلاق القوى الاقتصادية للعمل دون قيود. وقبل نهاية القرن السابع عشر، وقبل ظهور آدم سميث بزمن طويل، سمعت إنجلترا بصيحة رب العمل"أتركه يعمل"(سياسة عدم التدخل) من أجل الحرية الاقتصادية، وتخلص أرباب العمل من العوائق الاقتصادية والإقطاعية والنقابية، في تشغيل العمال والإنتاج والتجارة (٧٠)، وتجاوزوا القيود النقابية وانهارت النظم المهنية، وبطل العمل بتحديد الأجور عن طريق الحكام المحليين، بفعل القوة النسبية للمساومة بين أرباب العمل الأثرياء والعمال الجياع (٧١). إن الأيديولوجية الحديثة للحرية، بدأت هنا الآن، حين طالب المقاولون