ولم يعش من كتب هذا العهد الألمانية سوى كتاب واحد باسمه "سمبلسيوي سمبليسيسيموس"(١٦٦٩) بقلم هانز فون جريملز هاوزن. وهو من حيث الشكل سيرة متشرد ذاتية، ذات أحداث مترابطة، لميلكيور فون فوشهايم، وهو إنسان ربع أحمق، وربع فيلسوف، ونصف وغد. أما من حيث الروح فهو هجاء فكه متشائم يهجو ألمانيا التي خلفتها ثلاثون عاماً من الحرب بين الحياة والموت. ويبدأ ميلكيور هذا ربيباً لفلاح يصف المؤلف حياته في عبارات مهذبة فيقول: -
"كل سيدي يملك الغنم والماعز والخنازير بدلاً من الأتباع والخدم والسياس، وكانت كلها تتبعني في السباق حتى أسوقها إلى البيت. أما مخزن ذخائره فعامر بالمحاريث، والمعاول، والبلط، والفئوس، والمجاريف، ومذاري الروث والدريس، التي كان يمارس استعمالها كل يوم، لأن العزق والحفر هما تدريبه العسكري … واستخراج السباخ هو علم التحصينات عنده، وإمساك المحراث علم الاستراتيجية، وتنظيف الأسطبل تسليته ومباراته الفروسيتان (١٠) ".
ولكن جماعة من الجند تسطو على هذا الفردوس الريفي، وتعذب الأسرة لتكرهها على البوح بسر مؤن مختزنة لا وجود لها. ويهرب ميلكيور ويلتجئ إلى ناسك عجوز يلقنه أول دروسه اللاهوتية. فإذا سئل عن اسمه أجاب "وغد أو رد مشانق" لأنه لم يسمع أحداً يدعوه إلا بهذا الاسم، أما اسم متبنيه، جرياً على القاعدة ذاتها، فهو "صعلوك، وبلطجي، وكلب مخمور". ويقبض عليه الجند، فيأخذونه إلى قصر حاكم هاناو، وهناك يدرب على أن يكون مهرجاً، ويطلق عليه اسم سمبليسيوس سمبليسيسيموس. ثم يختطف، ويصبح لصاً، ويعثر على كنز مخبوء، ويصبح جنتلماناً، ويغوي فتاة، ويكره على زواجها، ثم يهجرها، ويعتنق الكاثوليكية، ويزور قصبة الدنيا، ويخسر ثروته، ويعوضها بالشعوذة والتدجيل، ثم يضنيه طول التجوال، فيعتكف ليحيا حياة ناسك كشف حقيقة الدنيا وخداعها. هذه "كانديد" أولى سابقة على قصة فولتير بقرن، والفرق أن هجاءها تلطف منه الفكاهة الألمانية، ولا يجمله الذكاء الفرنسي. وندد النقاد بالكتاب، وأصبح من عيون الأدب، وأشهر ثمار الأدب الألماني بين لوثر وليسنج.