للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التجارة العثمانية تزحف في قوافل على اليابس. وترك الحكام الكسالى السقايات والقنوات تبلى، بينما الفلاحون الذين قبلت الحرب حياتهم ينتظرون المطر في ذل ومسكنة. واتخذ مسار الإمبراطورية طريقه غرباً، إلى أن وجد نفسه ثانية في الشرق يوماً وهو لا يزال يتحرك غرباً.

وكان رد الأتراك على عقابهم معناه بالنسبة للغرب الدعوة لحرب داخلية طاحنة. ذلك أن النمسا وألمانيا تحولتا بعد تحررهما من ضغط الإسلام عليهما لمواجهة أطماع لويس الرابع عشر، الذي كان يمد ذراعيه في الأراضي المنخفضة، وأراضي الراين، والبلاتينات، وإيطاليا، وأسبانيا. وأكملت هذه اللطمات الآتية من الغرب تفكك الإمبراطورية الرومانية المقدسة، فلم يبق منها غير الصورة. وانتهى الأمر بالإمبراطور إلى النظر إلى نفسه على أنه نمساوي لا روماني، وحلت الإمبراطورية النمساوية-المجرية محل الرومانية المقدسة. وجعلت العروش الثلاثة-عروش النمسا، والمجر، وبوهيميا-وراثية في أسرة هابسبورج (١٧١٣)، فألغيت حقوق الولايات البوهيمية والمجرية التقليدية في انتخاب ملوكهم. وعادت المجر إلى الثورة (١٧٠٣ - ١١) بزعامة فرنسيس راكوكزي الثاني، ولكن الثورة أخمدت، تاركة الحنين إلى الحرية يتردده صداه في الشعر والأغاني.

وسخرت النمسا اقتصاديات المجر وبوهيميا لمنفعتها الخاصة، وتمتعت طبقاتها العليا بثراء جديد. وارتفعت القصور الفاخرة للأرستقراطية، وأسكنت الكنائس الجميلة والأديار الضخمة القساوسة والرهبان المنتصرين. وأعد الأمير بال استرهازي بناء قلعته الكبرى في ايزتشتات، حيث سيقود هايدن يوماً فرقته الموسيقية ويؤلف ألحانه. وفي فيينا صمم دومنيكو مارتينللي قصر ليشتنشتين، وقصر بلفدير لأوجين أمير سافوي. وبنى يوهان فيشر فون ايرلاخ لهذا الأمير ذاته قصوراً شتوياً فاخراً، ووضع الخطط للمكتبة الملكية، والقصر الإمبراطوري في شونبرون. وفي ١٧١٥ بدأ أعظم معماري النمسا هذا