للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان جيدي واحداً من شعراء عدة صدحوا بقوافيهم في صالون كرستينا بروما. وكانت ملكة السويد هذه قد طبقت شهرتها الآفاق لا ملكة على دولة عظمى فحسب، بل راعية ونموذجاً للعلم، والمضيفة الحفية بسالماسيوس وديكارت. وكانت تخليها عن التاج في سبيل المذهب، وتحولها عن البروتستنتية التي مات أبوها من قبل لينقذها، ورحلتها الطويلة مارة بقصور ملوك أوربا وأمرائها لتلثم قدمي البابا-كانت هذه كلها أحداثاً لا تقل عن الحروب والثورات استهواء للذهن الأوربي.

كانت في ربيعها الثامن والعشرين يوم غادرت السويد (١٦٥٤). وأعطاها ابن عمها شارل العاشر، الذي اختارته ليتبوأ عرشها، خمسين ألف كراون تجمل بها رحلتها، وقرر لها الديت السويدي دخلاً كبيراً، وحقوق ملكة على حاشيتها. فوصلت هامبورج بعد رحلة سريعة في الدنمرك، وهناك صدمت مشاعر الأهالي بنزولها ببيت مالي يهودي كان قد أخلص لها الخدمة وهو يعمل وكيلاً مالياً لها. واجتازت هولندة البروتستنتية متنكرة، ولكنها اتخذت زيها السافر في أنتورب الكاثوليكية. وهناك استقبلها استقبالاً ملكياً الأرشيدوق ليوبولد، وإليزابث ملكو بوهيميا السابقة (وهي ملكة مخلوعة أخرى)، وابنتها الأميرة إليزابث (وهي تلميذة أخرى لديكارت). ثم واصلت رحلتها إلى بروكسل، حيث استقبلت بالألعاب النارية، والصواريخ، وطلقات المدافع، والجموع الهاتفة المصفقة. وأسلمت نفسها حيناً في اغتباط للمراقص ومباريات الفروسية ورحلات الصيد والتمثيليات، وأوفد مازاران فرقة تمثيلية من باريس للترفية عنها، وفي عشية عيد الميلاد ارتدت سراً عن المذهب اللوثري، وأعلنت عزمها على ألا تستمتع إلى مزيد من المواعظ (٣١) "، ثم أطالت مكثها في فلاندر ريثما تعد الكوريا البابوية بروما العدة لاستقبالها رسمياً في الكنيسة وإيطاليا. وبعد أن غادرت بروكسل اخترقت النمسا في رحلة وئيدة. وفي انزبروك جهرت رسمياً باعتناقها المذهب الكاثوليكي. وكانت رحلتها في إيطاليا قاصدة روما أشبه برحلات القياصرة الظافرين عظمة وجلالاً. فتزينت المدينة تلو المدينة لتحييها، ونظمت المهرجانات والعروض تكريماً لها في مانتوا، وبولونيا، وفاينزا، وريميني، وبيزارو،