في الدخول في علاقات اقتصادية مع إخوانه. ولعل هذا السبب، فضلاً عن رغبته في الزواج ثانية، هو ما دعا أوريل إلى أن يقرر الخضوع للمجمع، وإنكار هرطقاته، وأن يصبح "قرداً بين القردة (٦٤) " على حد تعبيره. وقبل إنكاره (١٦٣٣) وعاش الشكاك المتحمس حيناً في سلام نسبي. ولكن هرطقاته استمرت في الخفاء واتسعت. كتب في فترة لاحقة يقول "لقد خامرني الشك في ناموس موسى، أهو حقاً ناموس الله، ثم انتهيت إلى أنه من مصدر بشري (٦٥) ". ونبذ الآن الدين كله، اللهم إلا إيماناً غامضاً بإله هو والطبيعة واحد (كما كان إيمان سبينوزا فيما بعد). وأهمل الممارسات الدينية الثقيلة المفروضة على اليهودي السني. فلما جاءه مسيحيان يعلنان عن رغبتهما في اعتناق اليهودية ثناهما وحذرهما من النير الثقيل الذي سيضعانه فوق عنقيهما. فأنهيا ذلك إلى المجمع. فاستدعاه الأحبار واستجوبوه، ووجدوه غير نادم، فأوقعوا عليه الآن حرماً آخر أشد صرامة من سابقه (١٦٣٩). وعاد أقرباؤه يقصونه عن حياتهم، وشارك أخوه يوسف في اضطهاده (٦٦).
واحتمل هذه العزلة سبع سنين، ثم عرض الخضوع حين وجدها تؤذيه أذىً بليغاً في رزقه وأمام القانون. وإذ أسخط القادة اليهود طول مقاومته وما جرت عليه من متاعب، فقد حكموا عليه بضرب من الإنكار والتكفير نقلوه عن ديوان التفتيش البرتغالي (٦٧). فأكره، على طرقة احتفالات الديوان بإدانة المهرطقين، على أن يرقى منصة في المجمع، ويتلو أمام جمهور كبير من المصلين اعترافاً بأخطائه وذنوبه، ويتعهد بأغلظ الإيمان أنه منذ الآن سيتمثل لكل نظم الجماعة ويعيش عيشة اليهودي الصالح. ثم خلعت ثيابه إلى خصره، وجلد تسعاً وثلاثين جلدة. وأخيراً أجبر على أن يطرح نفسه على عتبة المجمع، وخطا من فوقه الحاضرون وهم يغادرون المكان وفيهم أخوه الذي كان يناصبه العداء.
وقام من هذه العقوبة المذلة لا مذعناً بل ناقماً ساخطاً. فمضى إلى بيته، وأغلق على نفسه باب مكتبه عدة أيام وليال، وكتب آخر وأمر تنديداته باليهودية التي ضحى بالكثير في سبيل اعتناقها، والتي لم يفهم قط في تعاطف تاريخها الانطوائي، وصرامتها الواقية التي