طرقاً للروغان من الرقباء، ولعل الذكاء الفرنسي قد شحذته ضرورة التعبير عن الأفكار بطريقة تدق على فهم موظفي الرقابة. وفي كولونيا الكاثوليكية فرض رئيس الأساقفة الناخب الرقابة على الأحاديث أو المطبوعات الدينية. وفي براندنبورج البروتستنتية أمر الناخب الأكبر برقابة دقيقة ليهدئ الصراع الديني. وفي إنجلترا واصلت الحكومة سجن المؤلفين البغيضين وحرق الكتب المهرطقة رغم صدور قانون التسامح (١٦٨٩)(١٢). على أن تنوع الملل والنحل في الدول البروتستنتية جعل الرقابة فيها أقل جدوى منها في الدول الكاثوليكية، ولعل هذا بعض السبب في تفوق إنجلترا وهولندا في العلم والفلسفة في القرن السابع عشر.
لقد اتفقت المذاهب المتنافسة على التعصب. وحاجت الكنيسة الكاثوليكية في إقناع بأنه ما دام كل المسيحيين تقريباً يقبلون الكتاب المقدس على أنه كلمة الله، وبما أن ابن الله أسس الكنيسة كما نص الكتاب، فواضح إذن أن من حقها وواجبها أن تقمع الهرطقة وانتهت المذاهب البروتستنتية إلى استنتاج مماثل وإن كان أقل تعطشاً للدماء. فما دام الكتاب كلمة الله، فكل من يحيد عن تعاليمه (حسبما تفسر رسمياً) يجب على الأقل أن يقمع، وأن يكون شاكراً لأنه لم يقتل. واعترفت معاهدة وستفاليا (١٦٤٨) بمذاهب شرعية ثلاثة في ألمانيا: الكاثوليكية، واللوثرية، والكلفنية، وترك كل حاكم حراً في أن يختار أياً منها، وأن يفرضه على رعاياه. أما الدول الاسكندنافية فلم تسمح بغير اللوثرية. وأما سويسرا فأباحت لكل ولاية تقرير عقيدتها. وافتتحت فرنسا الطريق إلى التسامح بإصدارها مرسوم نانت (١٥٩٨)، ثم طريق العدول عنه بإلغاء المرسوم (١٦٨٥). أما إنجلترا فقد خففت بعد ١٦٨٩ من القيود المفروضة على المنشقين من البروتستنت، واستمرت تفرضها على الكاثوليك، وأبادت ثلث الكاثوليك في إيرلندة. ووافق العقلاني هوبز البابوات على ضرورة عدم التسامح.
ولكن التسامح كان في ازدياد. وبدأت الدراسة الناقدة للكتاب المقدس في هذا العصر تجعل الناس أحراراً في الإعجاب به أدباً والتشكك فيه علماً، وجعل تعدد المذاهب النظام الاجتماعي أعسر فأعسر بدون التسامح المتبادل. وفي "إنجلترا الجديدة" أعلن روجر وليمز