والكتاب بداية علم الإحصاء الحديث، وقد خلص من جداوله إلى أن ستة وثلاثين في المائة من الأطفال يموتون قبل بلوغهم السادسة، وأربعة وعشرين في المائة في العشر السنوات التالية، وخمسة عشر في المائة في العشر التالية. الخ (١٧)، وتبدو نسبة الوفيات في الأطفال مغالى فيها كثيراً هنا، ولكنها تومئ إلى جهد الحب في ملاحقة ملاك الموت. قال جرونت "من الوفيات العديدة ما يحمل نسبة ثابتة إلى جملة المدفونين، وأعني الوفاة بالأمراض المزمنة، والأمراض التي يعظم تعرض المدينة لها، كالسل، والاستسقاء، واليرقان، الخ (١٨) "، ومعنى هذا أن أمراضاً معينة، وظواهر اجتماعية أخرى، وإن تعذر التنبؤ بها في الأفراد، إلا أنها يمكن حسابها مسبقاً بدقة نسبية في الجماعات الكبيرة وهذا المبدأ الذي صاغه جرونت هنا أصح أساساً للتنبؤ الإحصائي. وقد لاحظ أن وقائع الدفن في لندن في سنوات كثيرة فاقت وقائع العماد، وانتهى إلى أن لندن تتميز بوفرة احتمالات الموت، كالموت من هموم العمل، و "الدخان، والروائح العفنة، والهواء الفاسد" و "الإفراط في الطعام" ولكن بما أن سكان لندن كانوا يتزايدون رغم هذا، فإن جرونت عزا الزيادة إلى وفود المهاجرين من الريف والمدن الصغيرة-وقدر سكان العاصمة في عام ١٦٦٢ بنحو ٣٨٤. ٠٠٠ نسمة.
وطبق السر وليم بتي، صديق جرونت، الإحصاء على السياسة. وهنا أيضاً مثال آخر على تعدد في القدرات يستحيل العثور عليه اليوم في فرد واحد، فإن بتي بعد أن تلقى العلم في كان، وأوترخت، وليدن، وأمستردام، وباريس، درس التشريح في أكسفورد، والموسيقى في كلية جريشام بلندن، وجمع ثروة ونال لقب الفروسية باشتغاله طبيباً للجيش الملكي بإيرلندة (١). وفي ١٦٧٦ ألف كتاباً هو العمدة الثاني في علم الإحصاء الإنجليزي، وهو "الحساب السياسي" فالسياسة في رأي بتي لا يمكن أن تصبح علماً أو كالعلم إلا إذا بنت استنتاجاتها على قياسات كمية. لذلك طالب بتعداد دوري يسجل الميلاد، والجنس، والحالة
(١) يقول أوبري أنه في أسكفورد "كان يحتفظ بالجثة .. مخللة أو مملحة" وكانت إحدى الجثث التي جيء بها إليه لتشريحها جثة نان جرين، التي قتلت ابنها غير الشرعي، ووجدها بتي لا تزال تتنفس، وردها إلى الحياة ثانية (١٩).