الكيمياء. وقد اعتذر فيه عن "السماح" لبحثه هذا "بأن يذاع وهو مبتور ناقص على هذا النحو (٤٥) ". ولكنه-وهو يعاني من علل كثيرة-عديم الثقة في أنه سيعمر طويلاً. على أن مما يعزيه "أن يلحظ أن الكيمياء بدأت أخيراً تحظى بما هي جديرة به حقاً من رعاية العلماء الذين كانوا من قبل يحتقرونها (٤٦) ". ووصف كيمياءه بأنها شكاكة لأن من رأيه رفض جميع التفسيرات الغيبية والخصائص السحرية لأنها "محراب الجهل" وهو مصمم على الاعتماد على "التجارب لا الأقيسة المنطقية (٤٧) ". وقد هجر ذلك التقسيم التقليدي للمادة إلى العناصر الأربعة، الهواء، والنار، والماء، والتراب: وقال إن هذه مركبات لا عناصر، أما العناصر الحقيقية فهي على الأصح "أجسام معينة بدائية وبسيطة، أو غير مختلطة إطلاقاً، ولأنها ليست مؤلفة من أي أجسام أخرى أو من بعضها البعض" فهي المكونات لجميع المركبات، ويمكن أن تحلل إليها كل المركبات. ولم يقصد أن العناصر هي المكونات النهائية للمادة، فهذه العناصر الطبيعية المتناهية الصغر هي في رأيه جزيئات دقيقة لا ترى بالعين المجردة، مختلفة شكلاً وحجماً، كذرات لوكيبوس. ومن تنوع هذه الجزيئات وتحركها، ومن اتحادها في "كريات"، تنشأ كل الأجسام، وكل صفاتها وأحوالها، كاللون، والمغنطيسية، والحرارة، والنار، وذلك بطرق وقوانين ميكانيكية خالصة.
وقد استهوت النار العلماء استهواءها للحالمين عند المدافئ. فما الذي يجعل المادة تحترق؟ وما تفسير هذه الألسنة الدائمة التغير من اللهب الجميل، العاتي، الرهيب؟ في سنة ١٦٦٩ رد كيميائي ألمانييدعى يوهان بيشير كل "العناصر" إلى عنصرين-الماء والتراب، وسمى شكلاً من أشكال التراب، "التراب الزيتي"، الذي اعتقد بوجوده في جميع الأجسام القابلة للاشتعال، وهذا هو الذي يحترق. وفي القرن الثامن عشر سنرى جيورج شتال-الذي اتبع هذا الرأي الخاطئ-ينحرف بالكيمياء عشرات السنين بنظرية مماثلة هي نظرية اللاهوب Phlogiston. على أن بويل سلك مسلكاً آخر. فقد لاحظ أن مواد محترقة مختلفة تكف عن الاحتراق في الفراغ، فاستنتج أن "في الهواء جوهراً حيوياً صغيراً … يعين