أكثر مما أعطته من راتب، وانقطع لدراسة عالم الحياة الجديد كما كشف عنه المكروسكوب، بإصرار من افتتن بهذا العلم. وكان يملك ٢٤٧ مكروسكوباً، صنع معظمها بنفسه، وكان مختبره يتألق بعدسات بلغت ٤١٩، ربما شحذ بعضها سبينوزا، الذي ولد في نفس سنة مولده (١٦٣٢) وفي نفسه وطنه. وقد حرص بطرس الأكبر وهو بديلفت في ١٦٩٨ على أن يحدق في الكائنات خلال مكروسكوبات ليوفينهويك. فلما وجه هذا العالم (١٦٧٥) أحدها لدراسة بعض ماء المطر الذي سقط في قدر قبل أيام، راعه أن يرى "حيوانات صغيرة بدت لي أصغر عشرة آلاف مرة من تلك التي وصفها المسيو سوامردام والتي سماها براغيث الماء أو قمل الماء، والتي يمكن أن ترى في الماء بالعين المجردة (٦٠) "، ثم وصف كائناً نعرفه الآن باسم الجيبون الناقوسي ( Vorticella) bell animalecule. ويلوح أن هذا كان أول وصفه للبروتوزون. وفي ١٦٨٣ اكتشف ليوفينهويك كائنات أصغر حتى من تلك-وهي البكتريا. وجدها أولاً على أسنانه، وقال مستدركاً "مع أنني أحافظ عادة على نظافة أسناني التامة"، وأذهل بعض جيرانه حين فحص بصاقهم وأراهم تحت المكروسكوب "عدداً عظيماً من المخلوقات الحية" فيه (٦١). وفي ١٦٧٧ اكتشف البزيرات المنوية في ماء الذكر: وتعجب من إسراف الطبيعة في جهاز الإنسان: فقد قدر هناك ألف بزيرة في كمية صغيرة من منى الرجل، وحسب أن هناك ١٥٠ بليوناً من البزيرات في لقاح سمكة واحدة من سمك الكود-وهو ما يزيد عشرة أضعاف على عدد السكان الذين يحتويهم العالم لو كانت كل أقاليمه غاصة بالسكان كالأراضي المنخفضة.
وكان جان سوامردام أصغر من ليوفينهوك بخمس سنوات، ولكنه سبقه إلى القبر بثلاث وأربعين سنة. كان رجلاً ذا جرأة، ورغبات مشبوبة، وعلل، وأهداف متقلبة، كف عن جهوده العلمية في السادسة والثلاثين، وأفنى عمره وهو في الثالثة والأربعين (١٦٨٠). نذر خادماً للدين، ولكنه هجر اللاهوت إلى الطب. فلما نال درجة الطب انقطع للتشريح. وقد أولع بالنحل، لا سيما بأمعائه، وكان ينفق نهاره في تشريحه، وليله في كتابة التقارير ورسم الرسوم عن كشوفه. فلما فرغ من بحثه القيم في النحل (١٦٧٣) انهار بدنياً،