وكان تقدم علم الطب بطيئاً في جو الجهل والفقر. وعطل المهنة شره الأطباء للمال، فكان بعض الأطباء الذين قاموا بعلاجات ناجحة يرفضون الكشف لغيرهم من الأطباء عن العلاج الذي استخدموه (٧٦). على أن الأطباء من أعضاء الجمعية الملكية ارتفعوا فوق هذا الشره، وأشركوا زملاءهم بحماسة في كشوفهم. وكان هناك الآن مدارس طبية جيدة وفي مقدمتها مدارس ليدن، وبولونيا، ومونبلييه، وعلى العموم كان الحصول على درجة من معهد معترف به شرطاً لممارسة الطب قانونياً في غربي أوربا. واستمر مدرسو الطب على انقسامهم إلى مدرستين من مدارس العلاج. فدافع بوريللي عن طريقة العلاج الطبي ( iartophysical) ورأى تناول الأمراض على أنها اضطرابات في آلية الجسم. أما سيلفيوس، الذي طور حجج باراسيلسوس وهيلمونت فقد دافع عن الطريقة الكيميائية ( iatrochemical) - وهي طريقة استعمال العقاقير لمقاومة الاضطرابات في "أمزجة" الجسم، ومعظمها في رأيه راجع لزيادة في الحموضة. وكان أنفع من هذه النظريات العامة تلك الكشوف في أسباب أمراض معينة، فوصف سيلفيوس مثلاً لأول مرة الدرينات في الرئتين، وعزا هذه الأورام المرضية إلى السل.
ومن أهم كشوف هذا العصر الجهد الذي قام به ذلك اليسوعي الممتاز، أثناسيوس كيرشر الفولداوي، وكان رياضياً، وفيزيائياً، ومستشرقاً، وموسيقياً، وطبيباً، ويبدو أنه أول من استخدم المكروسكوب في فحص المرض (٧٧). وبهذه الوسيلة وجد أن دم ضحايا الطاعون يحتوي على "ديدان" لا حصر لها لا ترى بالعين المجردة. ورأى حيوانات مماثلة في المادة المتعفنة، وعزا التعفن وكثيراً من الأمراض لنشاطها. وكتب تقريراً عن كشوفه في "البحث في الأمراض الوبائية " Scrutinium Pestis ( روما ١٦٥٨) بين بعبارات صريحة واضحة لأول مرة ما لم يذكره فراكاستورو إلا تلميحاً في ١٥٤٦ - وهو النظرية القائلة بأن انتقال الكائنات الحية الضارة من شخص أو حيوان إلى آخر هو سبب المرض المعدي (٧٨).