"لم يتطلب من فن الطب أكثر معاونة الطبيعة إذا وهنت، وكبحها إذا ازداد عنف هودها … ذلك أن هذا المراقب الحكيم وجد أن الطبيعة وحدها هي التي تنهي اختلال الصحة، وتعمل على الشفاء مستعينة بعقاقير بسيطة، وأحياناً دون عقاقير على الإطلاق (٨٢) ".
وبراعة سيدنهام في أنه تبين أن لكل مرض كبير صوراً مختلفة، وكان يدرس كل حالة بتاريخها الأكلينيكي ليشخص نوع المرض الذي تنطوي عليه، ويوائم بين العلاج والاختلافات النوعية للمرض. ولهذا نراه يميز الحمى القرمزية عن الحصبة ويعطيها اسمها الحالي. وكان معروفاً بين الأطباء بلقب "أبقراط الإنجليزي" لأنه أخضع النظرية للملاحظة، والأفكار العامة للحالات الخاصة، والعقاقير للعلاجات الطبيعية. وقد ظل كتابه Processus Integri طوال قرن من الزمان المرشد للممارس الإنجليزي في العلاج.
وواصلت الجراحة نضالها لتحظى بالاعتراف بها علماً محترماً. ووجد أكفأ ممثليها أنفسهم بين نارين، عداء الأطباء وحسد الحلاقين-الذين ما زالوا يجرون بعض الجراحات الصغيرة، ومنها جراحة الأسنان. ولم يستطع جي باتان، عميد كلية الطب بجامعة باريس، أن يغتفر للجراحين اتخاذهم زي الأطباء ومسلكهم، ورمى الجراحين جميعاً بأنهم "سلالة من الحمقى، والمغرورين، اللئام، المسرفين، الذين يطلقون شواربهم ويلوحون بأمواسهم (٨٣) ". ولكن في عام ١٦٨٦ أجرى الجراح فيلكس جراحة ناجحة على ناسور لويس الرابع عشر، وسر الملك سروراً عظيماً فنفح فيلكس بخمسة عشر ألف جنيه ذهبي، وخلع عليه ضيعة في الريف ولقب النبالة. ورفعت هذه الترقية من مكانة الجراحين الاجتماعية في فرنسا. وفي ١٦٩٩ صدر قانون جعل الجراحة فناً من الفنون الحرة، وبدأ ممثلوها يحتلون مكاناً مرموقاً في المجتمع الفرنسي. وقد وصف فولتير الجراحة بأنها "أنفع الفنون قاطبة" وأنها "الفن الذي بز فيه الفرنسيون سائر أمم الأرض (٨٤) ".
على أن الجراحة الإنجليزية كان لها في هذا العصر مفخرتان على الأقل. ففي ١٦٦٢ قام ج. د. ميجر بحق الإنسان أول حقنة وريدية ناجحة، وفي ١٦٦٥ - ٦٧ نجح رتشرد لوور في نقل الدم من