أنظر إليه في سلمه الصاعد، ابتداءً من بيكون يدعو الناس للكفاح في سبيل ترقية المعرفة، وديكارت يزاوج بين الجبر والهندسة، مروراً بتحسين التلسكوبات، والمكروسكوبات، والبارومترات، والترمومترات والمضخات الهوائية والعلوم الرياضية، وبقوانين كبلر الكوكبية، وقبة جاليليو السماوية المتعاظمة، ورسم هارفي لخريطة الدم، ونصفي كرة جيوريكي المحكمتين، وكيمياء بويل الشكاكة، وفيزياء هويجنز المتعددة الصور، ومحاولات هوك الكثيرة الأشكال، وتنبؤات هالي الكونية، ثم انتهاء بحساب ليبنتز التفاضلي التنوتي ونسق نيوتن الكوني، انظر إلى كل أولئك واسأل: أي قرن سابق أنجز مآثر هذا القرن؟ يقول ألفريد فورت هوايتهيد أن الذهن الحديث "يعيش إلى اليوم على ذخيرة الأفكار المتجمعة التي وفرتها له عبقرية القرن السابع عشر "في العلم، والأدب، والفلسفة (٨٩)".
وانتشر تأثير العلم في أقواس متسعة. أثر في الصناعة بتوفيره الفيزياء والكيمياء اللتين كفلتا المغامرات الجديدة في التكنولوجيا. وفي التعليم ألزم بتخفيف التركيز على العلوم الإنسانية-على الأدب، والتاريخ، والفلسفة، لأن تطوير الصناعة والتجارة والملاحة تطلب المعرفة والأذهان العملية. وأحس الأدب ذاته التأثير الجديد: فسعى العالم وراء النظام والدقة والوضوح أوحى بفضائل مماثلة في الشعر والنثر، وانسجم مع الأسلوب الكلاسيكي الذي يمثله موليير وبوالو وراسين، كما يمثله أديسون وسويفت وبوب. واشترطت الجماعية الملكية-كما يقول مؤرخها-على أعضائها، أسلوباً في الحديث طبيعياً عادياً، محكماً. يقرب كل الأشياء قدر الإمكان من الوضوح الرياضي (٩٠) ".
وتأثرت الفلسفة والدين بانتصارات الرياضة والفيزياء، التي حددت للمذنبات ميقاتاً ووضعت للنجوم قوانين. وتقبل ديكارت وسبينوزا الهندسة مثلاً أعلى للفلسفة والعرض. ولم يعد بعد ذلك من حاجة لأن يفترض في الكون شيء غير المادة والحركة. ورأى ديكارت العالم كله آلة، باستثناء العقل البشري والإلهي، وتحدى هوبز هذا الاستثناء، وصاغ مادية يكون حتى الدين فيها أداة للدولة تستعين بها على تسيير الآلات البشرية. ولاح أن علوم الفيزياء والكيمياء والفلك