يكن بالمعلم الناجح. كتب سكرتيره عن ذكريات ذلك العهد يقول "كان الذين يذهبون للاستماع إليه قليلين، والذين يفهمونه أقل، حتى أنه في أحياناً كثيرة وكأنه يقرأ للحيطان بسبب قلة السامعين (٢) ". وفي بعض المناسبات لم يكن يجد مستمعين إطلاقاً فيعود إلى حجرته كاسف البال. وبنى فيه مختبراً-كان الوحيد في كمبردج آنئذ. وقام بالكثير من التجارب، لا سيما في الخيمياء "وهدفه الأكبر تحويل المعادن (٣) "، ولكنه اهتم أيضاً بـ "اكسير الحياة" و "حجر الفلاسفة (٤) " وواصل دراساته الخيميائية من ١٦٦١ إلى ١٦٩٢، وحتى وهو يكتب كتابه "المبادئ (٥) " ترك مخطوطات عن الخيمياء دون نشر بلغ مجموع كلماتها نيفاً و١٠٠. ٠٠٠ "لا قيمة لها إطلاقاً (٦) " وكان بويل وغيره من أعضاء الجمعية الملكية مشغولين شغلاً محموماً بهذا البحث نفسه عن صنع الذهب. ولم يكن هدف نيوتن تجارياً بشكل واضح، فهو لم يبد قط أي حرص على المكاسب المادية، ولعله كان يبحث عن قانون أو عملية يمكن أن تفسر بها العناصر على أنها أشكال مغايرة، قابلة للتحويل، لمادة أساسية واحدة. ولا سبيل لنا إلى التأكد من أنه كان مخطئاً.
وكان له حديقة صغيرة خارج مسكنه بكمبردج، يتمشى فيها فترات قصيرة سرعان ما تقطعها فكرة يهرع إلى مكتبه ليسجلها. كان قليل الجلوس، يؤثر أن يذرع حجرته كثيراً (في رواية سكرتيره)"حتى لتخاله … واحداً من جماعة أرسطو" المشائين (٧). وكان مقلاً في الطعام، وكثيراً ما فوت وجبة، ونسى أنه فوتها. وكان ضنيناً بالوقت الذي لا بد من إنفاقها في الأكل والنوم. "ونادراً ما ذهب لتناول الطعام في القاعة، فإذا فعل فإنه-ما لم ينبه-يذهب في هيئة زرية، حذاؤه بالي الكعبين، وجواربه بلا رباط … ورأسه غير ممشط إلا فيما ندر (٨) ". وقد رويت، واخترعت القصص الكثيرة عن شرود ذهنه. ويؤكدون أنه قد يجلس الساعات بعد استيقاظه من النوم على فراشه دون أن يرتدي ثيابه وقد استغرقه الفكر (٩). وكان أحياناً إذا جاءه زائرون يختفي في حجرة أخرى، ويخط أفكاراً على عجل، وينسى أصحابه تماماً (١٠).
لقد كان راهباً من رهبان العلم في هذه السنين الخمس والثلاثين