كلاوندون بوصفه رجلاً ذا خبرة طويلة في المناصب السياسية، وسخر من فلسفة هوبز على أنه رجل لم يسبق له أن تقلد مناصب ذات مسئولية، حتى يلطف من نظرياته عن طريق الممارسة والتجربة، وتمنى لو أن "مستر هوبز أتيح له أن يتبوأ مقعداً في البرلمان أو في المجلس، أو في دور القضاء أو أية وحكمة أخرى، حيث كان يحتمل أن يتبين أن تأملاته في عزلته، مهما تكن عميقة، واتزانه المتعجرف الزائد عن الحد ببعض أفكار فلسفية، بل حتى ببعض قواعد الهندسة، نقول يتبين أن هذا كله قد ضلله وحاد به عن جادة الصواب في بحثه في السياسة (٥٨).
ولم تكن كل الحملات على هذا النسق من الهدوء والاعتدال. وفي ١٦٦٦ أمر مجلس العموم إحدى لجانه "بكتابة تقارير عن الكتب التي تنزع إلى الإلحاد والتجديف وانتهاك حرمة المقدسات أو تتناول بالتعريض لسمة الله وصفاته. وبخاصة الكتاب الذي نشر باسم "هوايت"(قسيس كاثوليكي سابق إرتاب في خلود النفس)، وكتاب هوبز، "لواياثان (٥٩) ". يقول أوبري "كان هناك تقريراً (صحيح يقيناً) بأن بعض الأساقفة في البرلمان قدموا اقتراحاً بإحراق الرجل الطيب العجوز بجريمة الهرطقة (٦٠) ". وأعدم هوبز كل ما كان يمكن أن يورطه أو يدينه بعد ذلك من أبحاثه التي لم تنشر، ثم كتب ثلاث محاورات حاول فيها أن يبرهن بأسلوب العالم المتفقة على أن أية محكمة في إنجلترا لا تستطيع أن تحاكمه بتهمة الهرطقة.
وهك الملك الذي أستعاد عرشه لإنقاذ الفيلسوف. ذلك أن شارل الثاني بعد وصوله إلى لندن بزمن قصير، رأى هوبز في الشارع، وعرف فيه معلمه السابق، ورحب به في البلاط. وكان بلاط عودة الملكية ينزع بالفعل إلى شيء من التشكك الديني ويدافع عن الملكية المطلقة، ومن ثم وجد في فلسفة هوبز بعض العناصر التي تتمشى مع الأفكار السائدة في هذا البلاط. ولكن رأسه الأصلع وشعره الأشيب وزيه الشبيه بزي اللبيوريتانيين، كل أولئك مدعاة للسخرية. وأطلق عليه الملك شارل نفسه أسم الدب، وكلما اقترب منه قال:"ها قد جاء الدب لنقدم له الطعم ونغويه (٦١) ". ومع ذلك استساغ الملك إجاباته البارعة وسرعة بديهيته، وأمر برسم صورة للفيلسوف العجوز، وتعليقها في حجراته الخاصة، وخصص له معاشاً