ما تعتبره المحاكم الإنجليزية أدلة كافية، وما كان الكهنة ليقنعوا الناس بمعجزات مثل "انشقاق ماء البحر الأحمر" لو لم يؤيدهم في ذلك كثير من شهود العيان. وأنهى لزلي بحثه بتصوير اليهودية بأنها ميثاق بدائي نسخه ظهور المسيح، والوثنية بأنها مجموعة من الخرافات الصبيانية إلى حد لا يقبله العقل. والمسيحية وحدها هي التي صمدت أمام البينات والعقل (١).
أما صمويل كلارك الذي ألم بقدر كبير من الرياضيات والفيزياء، يكفي للدفاع عن نيوتن ضد ليبنز، فإنه أخذ على عاتقه إثبات الدين المسيحي ببراهين في دقة الهندسة وقساوتها. وفي محاضرات بويل للدفاع عن المسيحية في ١٧٠٤، صاغ كلارك سلسلة من اثنتي عشرة قضية تثبت، في تقديره، وجود الله في كل زمان ومكان، وأنه قدير عليم كريم. وأن سلسلة الكائنات والأسباب المحتملة أو المعتمدة على غيرها لتفرض علينا أن نعتبر أمراً مفروغاً منه وجود كائن مستقل لا غنى عنه هو السبب الأول لكل الأسباب. ولا بد أن يكون الله متحلياً بالذكاء لأن الذكاء من صفات المخلوقات، وأن يكون الخالق أعظم كمالاً من المخلوق، ولا بد أن يكون الله حراً، وإلا كان ذكاؤه عبودية لا معنى لها. كل هذا بطبيعة الحال، لم يضف جديداً إلى الفلسفة القديمة أو فلسفة العصور الوسطى. ولكن في السلسلة الثانية من محاضراته، عرض كلارك أن يثبت "صدق الوحي المسيحي وأنه حقيقة لا ريب فيها". فقال بأن المبادئ الأخلاقية مطلقة مثل قوانين الطبيعة، وأن طبيعة الإنسان المنحرفة يمكن على أية حال توجيهها إلى الامتثال لقواعد الأخلاق عن طريق واحد هو غرس المعتقدات الدينية، ومن ثم كان لزاماً أن ينزل الله علينا الكتاب المقدس وفكرة الجنة والنار. ويضيف التاريخ، بسخريته المألوفة أن الملكة آن فصلت كلارك، وكان الكاهن الخاص لها، بتهمة ارتيابه في التثليث. وفي العهد التالي لحكم آن، كما يقول الشيطان الماكر فولتير، حيل بين كلارك وبين الوصول إلى منصب رئيس أساقفة كنتربري لأن أحد الأساقفة وشي به عند الأميرة كارولين، حين قال بأن كلارك أعلم الرجال في إنجلترا، ولكن به عيباً واحداً، ذلك أنه غير مسيحي (٩١).