وعلى الرغم من الخلفية الروحانية عند مالبرانش فإنه، بعد ديكارت وهوبز، يمدنا بتفسير فسيولوجي للعادة والذاكرة وتوارد الخواطر فالمادة هي خفة أو رشاقة تفيض بها الأرواح الحيوانية، نتيجة للخبرات أو الأفعال المتشابهة التي غالباً ما تتكرر، إلى أخاديد أو قنوات معينة في الجسم. والذاكرة هي استعادة نشاط الخواطر التي نشأت في الخبرة، فإن الخواطر تميل إلى الترابط تبعاً لتسلسلها أو امتدادها المتصل السابق، وقوة الشخصية وقوة الإرادة هما قوة الروح الحيوانية التي تتدفق في أنسجة المخ، فتعمل على تعميق مجاري الترابط، وزيادة نشاط الخيال والتصور.
وعلى الرغم من تمسك مالبرانش بأهداب التقوى فقد كان في فلسفته عناصر كثيرة أزعجت بنين بوسويه الحارس اليقظ الأمين على العقيدة التقليدية القويمة. وفي حركة بارعة لتحويل أنطوان أرنولد ذي القلم اللاذع عن المنطق الجانسيني إلى نجدة العقيدة القويمة، نجد بوسيويه يحرض أرنولد هذا على تأنيب مالبرانش لهرطقته المستترة. ودافع الفيلسوف عن نفسه في عدة رسائل فصيحة لا تصدق مثل الرسالة الأولى، واستمر الجدال من ١٦٨٣ - ١٦٩٧، وجلب بوسيويه مدفعية فنليون الخفيفة إلى ساحة المعمعة. ولما رأت مدام سفيني Sevigne الفيران تلتهم محصولاتها، ويرقات الفراشات تلتهم أشجارها، شكت من أنها لم تجد إلا قليلاً من العزاء في وجهة نظر مالبرانش من أن البشر عنصر ضروري في أحسن ما يمكن من العوالم (١٠).
وكان لمالبرانش أصدقاء غيورون كثيرين يمكن أن يتوازنوا مع هؤلاء النقاد، فقد وجد الشباب وعجائز النساء في نظريته عن الله عاملاً وحيداً في كل الأفعال، سروراً باطنياً في الاستسلام لأمر الله والاتحاد مع الله. وشق الفرنسيون والأجانب طريقهم إلى صومعته. وقال أحد الإنجليز أنه ما قدم إلى فرنسا إلا ليرى اثنين طبقت شهرتهما الآفاق: لويس الرابع عشر ومالبرانش (١١).
وجاء باركلي، وقدم لفيلسوفنا كل إجلال واحترام ودخل مع الكاهن العجوز في نقاش طويل. وسرعان ما دب الضعف إلى مالبرانش بعد ذلك، وكان في السابعة والسبعين، وأخذ في الذبول والنحول